النسخة الكاملة

‏صحيح، الأردنيون ينتقدون لكنهم لا ينتقمون

الثلاثاء-2024-05-14 10:37 am
جفرا نيوز -
بقلم حسين الرواشدة 

‏أفهم، تماما، أن يكون لدينا معارضة وطنية تنتقد الأداء العام، وتشير إلى الأخطاء، كما يفترض أن تشير إلى الإنجازات، أفهم، أيضا، أن يكون للدولة رجالات حقيقيون، يؤمنون بها، ويدافعون عن أمنها ومبادئها ومصالحها العليا، أفهم، ثالثا، أن يمارس نظامنا السياسي مبدأ السماحة مع الذين ضلت أقدامهم طريق الاستقامة الوطنية، وقد يتبؤون أعلى المناصب.

لكن ما لا أفهمه هو أن تتحول المعارضة من دائرة الانتقاد إلى الانتقام، ومن إطار التزام الدولة ومصالحها إلى إطار يتجاوزها، ويحاول إضعافها، ثم أن تختفي رجالات الدولة مع كل أزمة يواجهها بلدنا، وأن يتم استثناء مساند الدولة الحقيقيين أو استبعادهم، فيما تفتح الأبواب لبعض الذين صرخوا في وجه الدولة، وربما كفروا بها أيضاً.

‏تحت عنوان «منعة الدولة وازدهارها «، بعد مرور 25 عاما على عهد المملكة الرابعة، وبالتزامن مع ما كشفته الحرب على غزة من خبايا، وما أفرزته من مواقف عكست صورة الداخل الأردني، بما فيه من إيجابيات وسلبيات، ثم مع اقتراب استحقاق المرحلة الأولى من التحديث السياسي من خلال الانتخابات البرلمانية. صار من الواجب على إدارات الدولة و»الجماعة الوطنية» الممثلة للمجتمع أن يتوافقوا على ترسيم حدود جديدة، أو بوصله وطنية، لحركة الدولة والفاعلين فيها. في إطار تعريف المصالح العليا للدولة، وأدوار وواجبات المعارضة، ومفاهيم الولاء والانتماء، والمواطنة والوطنية.

‏كل ذلك لابد أن يتم في سياق معادلات واضحة، تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وتغلق المنافذ أمام أي تجاوز أو تقصير قد يتسلل من تحت «عباءة» تراكمات الوضع الماضي والقائم، بما احتشد به من استغلال لاسترخاء الدولة، أو من سوء فهم البعض وتقديرهم لسماحة النظام السياسي، أو استفرادهم بتوزيع الغنائم، وفرض الوصيات، على حساب الأداء العام والمصالح العامة.

‏بصراحة أكثر، لا يملك الأردن، في هذه اللحظة التاريخية، ترف إضاعة «فرصة «نجاح مشروع الملك والدولة، قلت: الملك، لأنني أؤمن، تماما، أن سر بقاء الأردن واستقراره وازدهاره مرتبط بالضرورة بالحفاظ على العرش، وتعزيز الولاء له، والحفاظ على قيمته وهيبته، والنأي به عن أي اختلافات مع الإدارات والقرارات، قلت: الدولة، أيضا، بكل مؤسساتها الوطنية ودستورها وأركانها، لأنها تشكل الحصن المنيع للأردنيين، والقواعد الأساسية التي يستندون إليها، والتي تشكل الإطار العام لحركتهم واعتزازهم وثقتهم ببلدهم وإنجازاته.

‏صحيح، لدينا مشكلة في تأطير حركة المعارضة وعلاقتها مع الدولة، وربما الوطن، صحيح، أيضا، لدينا مشكلة مع بعض أعضاء الطبقة السياسية التي تقاسمت الغنائم، وانكفأت على نفسها ومصالحها، صحيح لدينا مشكلة مع بعض الذين نزلوا بالبرشوت على المواقع العامة، وهم ليسوا أهلا لها، صحيح لدينا مشكلة مع تغييب الكفاءات الوطنية، لاسيما الشباب، ومع (الأنصاف) الذين تسيدوا المشهد العام، كما أن لدينا قضايا معلقة لم تحسم، كالهوية والمواطنة والعدالة في توزيع المكاسب، ناهيك عن شبح البطالة والفقر، والتراجع في قطاعات التعليم والخدمات والإدارة العامة.

‏كل هذا يمكن إصلاحه وتجاوز ما أنتجه من فجوة ثقة بين الأردنيين ومؤسساتهم، لكن بشرط أن نبدأ على الفور، بإرادة وعزيمة قوية‏، للتوافق على عنوان واحد وهو (الدولة الأردنية) كهدف مشترك نؤمن به، ونضحي من أجله، ولا نسمح لأحد أن يتجاوزه تحت أي ذريعة، الإيمان بالدولة وأركانها التي تأسست عليها منذ أكثر من 100 عام هو المنطلق الوحيد لصهر الأردنيين في دائرة العمل والانتماء، والولاء والتضحية والإخلاص، والأهم دائرة القانون الذي يلتزم به ويحترمه الجميع.