جفرا نيوز -
رفح (الجغرافيا) التي يتحدثون عنها، هي لمن لا يعرفها - وعلى حد وصف تقرير اعلامي- مجرد «بقعة صغيرة جدا» لا تتجاوز مساحتها حجم مطار كبير في المدن الأوروبية، فمنطقة مساحتها المأهولة أكثر بقليل من 55كم مربعا تحتضن مليونا ونصف مليون إنسان، «لو رميت فيها حجرا لأصبت أكثر من ألف شخص»- على حد وصف تقرير اعلامي-!
رفح (السكّان) ليست هي رفح كما كانت، لا قبل ولا بعد 7 اكتوبر، فأكثر من نصف الفلسطينيين في قطاع غزة يقيمون حاليًا في ضواحي رفح، التي تضخمت إلى أكثر من سبعة أضعاف عدد سكانها الطبيعي.
رفح (إنسانياً) هي بوابة المساعدات الإنسانية لكل قطاع غزة، لذلك فان ما قامت به اسرائيل يوم أمس من احتلال واجتياح يعني تماما وقف المساعدات الإنسانية من دخول المحافظة نهائيا- وهي الشحيحة جدا في الاصل - ومنع الجهات العاملة في مجال الإغاثة المتمركزة في رفح من الوصول إلى الناس في المناطق الأخرى، ليصبح نحو 1.5 مليون انسان محاصرا في رفح بين تهديدين: إمّا القتل بنيران القوات الاسرائيلية، أوالموت جوعا وعطشا أو مرضا لأن النظام الصحي سينهار نهائيا.. فكل المتطلبات الأساسية للحياة معدومة.
رفح (استراتيجياً) تقع على حدود شبه جزيرة سيناء، وهي تشكّل معبرا مع مصر، كما يوجد في المحافظة معبر مع إسرائيل، وهو كرم أبو سالم.
رفح (إعلامياً) صار التركيز عليها اختزالا للابادة في غزة وللقتل في الضفة وكل فلسطين، وكأن ما يمكن أن يحدث في رفح مختلف عما حدث في غزة، شمالها ووسطها والآن جنوبها.. علما بأن رفح تقصف كل يوم، والجرائم مستمرة، ..ولذلك علينا أن نقرأ واقع (رفح) على مشهدين:
*الأول: (المعلن):
-ويتمثل بما نتابعه عبر جميع وسائل الاعلام، من ادعاءات ومزاعم اسرائيلية بأنها تستهدف قادة حماس في جنوب القطاع، وتستهدف معبر رفح ومحور فيلادلفيا للسيطرة على القطاع ومنع دخول المساعدات والدعم الذي تزعم اسرائيل أنه لا زال موجودا من خلال الانفاق بين القطاع ومصر والذي نفت مصر مرارا وتكرارا تلك المزاعم الاسرائيلية.
- في المعلن أيضا، فإن الولايات المتحدة ترفض أي عملية (غير مدروسة) في رفح تعرّض أرواح المدنيين الى الخطر، وان كانت لا تعارض مبدأ الاجتياح، فالاختلاف على التفاصيل المتعلقة بأعداد القتلى!!
-في المعلن، تزعم اسرائيل ان ما قامت به في الامس من دخول رفح بأنها عملية محدودة، وأنها ورقة ضغط على حماس بالتزامن مع «مفاوضات الهدنة» في القاهرة.
*الثاني: (غيرالمعلن/المخفي):
- وهو يتلخص بأن اسرائيل أو نتنياهو تحديدا، لا بل بن غافير وسموتريش، لا يريدون أية هدنة ولا وقفا لاطلاق النار، ولا دخولا لمساعدات، بل ولا تشكّل لهم قضية الأسرى والرهائن أية أولوية، لأن أي وقف للنار يعني هزيمة لهم، وأي تراجع يعني فكفكة التحالف الحكومي.. وانتهاء هذه المجموعة اليمينية المتطرفة سياسيا.
-في (المخفي) نتنياهو لا يتعجّل أي نهاية للعدوان على غزة -خصوصا وهو غير قادر على حسمها وفقا لاهدافه التي لم تتحقق- لذلك هو يطيلها لاطالة بقائه.
-في (غير المعلن) نتنياهو يدرك أن الادارة الامريكية الديمقراطية في أضعف أوقاتها في سنة الانتخابات التي تكون فيها الادارات عادة كما توصف بـ (البطّة العرجاء) لذلك فهو يستدرجها للدخول في حرب اقليمية يريدها نتنياهو منذ اليوم الاول للحرب أن تمتد الى جنوب لبنان بمواجهة حزب الله، ولا بأس أن تطال المفاعل النووي الايراني.
- في البعد(الاقتصادي)لازال الحديث حول السيطرة على «غاز غزّة» حقيقيا،وما قصة «الميناء البحري» أو «قناة بن غوريون»، أو ما تردّد بالأمس عن «شركة أمريكية لادارة معبر رفح» الاّ شكل من أشكال «من يسيطرعلى ماذا في اليوم الآخر»!
-البعد (الديمغرافي) أساسي في هذه الحرب التي يقودها «اليمين المتطرف» الذي يرى في هذه الحرب أيضا فرصة لفرض واقع «ديمغرافي» جديد من خلال: (ازالة غزة من على الخارطة - وتنفيذ مخططات التهجير) مع رفض مطلق لحل الدولتين.. ولأي وجود فلسطيني يعكّر اقامة «الدولة اليهودية»!
-اذا لم تتحقق هذه السيناريوهات لنتنياهو فمن صالحه اطالة الحرب حتى الانتخابات الامريكية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ممنّيا النفس بفوز شريكه في «صفقة القرن» دونالد ترامب.
باختصار:.. حتى لو وافقت «حماس» على كل السيناريوهات المطروحة فسيرفضها نتنياهو، لأنه غير معني، ولأن أي اتفاق يعني هزيمته ونهايته،.. فقط، الولايات المتحدة بيدها الضغط عليه لقبول الهدنة، اذا اقتنعت بأن ذلك في صالحها أيضا، خصوصا مع الضغوط المتزايدة عليها «خارجياً» من حلفائها، والأهم «داخلياً» من طلبة الجامعات؟!