النسخة الكاملة

القضايا الكبرى لا سبيل إلى طمسها

الأحد-2024-05-05 09:54 am
جفرا نيوز -
رمزي الغزوي

منذ متى كانت القضايا الإنسانية الكبرى تؤخذ بحسابات الدفاتر والدكان والميزان ذي الكفتين؟ ومنذ متى كانت معادلات الكيمياء الموزونة ذات أثر وتأثير حين نتحدث عن الحرية وتحرير البلدان والسعي إلى الكرامة؟ فلربما تحفظ وطنك وتحرره وأنت محطم في ركام الركام وقد يخسر نفسه ذاك المدجج بأسلحة الاسطورة والدمار.

في حرب الإبادة والانتقام التي ما زالت ملتهبة ربحت غزة الصابرة تحت النار الحصار والدمار، وخسر العدو المثقل بالدروع والتحصينات والمدعوم بسياسات دول ثقال. فليس صحيحاً أو دقيقاً أن ميزان الدكان يقيس كمية الكرامة، أو يستطيع حساب كثافة الصمود، أو يقدر على أن يكيل حجم الكبرياء وأن يحدِّد طول القامات.

القضايا الإنسانية والوطنية الكبرى في الحياة لا تقبل بغير حسابات التضحيات والإصرار والعناد وطول الأنفاس. وفلسطين قضية أكبر من كل تلك الحسابات المهادنة الخائقة المرتعشة. هي قضية شرفاء العالم عبر التاريخ، قضية من لا تفغل عينه عن معاني الحق والحقيقة.

كانوا يقولون كيف لعين أن تلاطم مخرزاً مبرياً مجنوناً؟ كيف لشعب أعزل محاصر أن يقارع قوة مدججة بالسلاح والغطرسة والغرور. لكن الوقائع أكدت أكثر من مرة أن العين فقأت عيون المخارز وكسرتها ودحرتها وجعلتها من ورق لا يقوى على جرح مهما كان.

هذا معركة جديدة كبيرة تكسبها فلسطين في هذه الحب الطويلة. فهذه القضية وبعد أكثر من 76 سنة من محاولات الطمس والطمر تعود حية متوهجة وكأنها وقعت الآن. ظن الظانون أن الأجيال ستنسى كما تمنى ذات زهو متكبر أول رئيس لوزارء الكيان الصهيوني بن غوريون. لكن هذه الأجيال التي رضعت القضية مع حليب الأمهات ثبت أنها لم تنس ولن تنسى.

هذه المعركة خلقت توازنات جديدة في مواجهتنا الطويلة مع هذا الكيان الغاصب. خلقت توازناً مختلفا في حسابات القوة والأمن يقول لكل الدنيا إن العدو لن ينعم بالأمن مهما كانت قوته، ما دام يحتل شبرا من الأرض. نقطة وسطر جديد. ويجب أن يعي أنه لن ينعم به حتى ولو طبع علاقاتها مع كل العربان. الفلسطينيون هم الأساس.

الشيء الأكثر عمقا أن القضية الفلسطينية والتي كان يجب أن تسمى منذ البدء بالقضية الإنسانية لعادلتها. هذه القضية التي اعتقدنا أن مفاوضات أسلو الكارثية ستطمسها، وأن الزمن قادر على أن يسقطها بالتقادم. هذه القضية عادت الآن إلى موقع الصدراة في الصدور والأرواح. وأقرب دليل تلك الوقفة العادلة لطلبة الجامعات الأمريكية.

هذه القضية مثل طائر الفينيق الأسطوري الذي ما أن يحترق حتى نراه يقوم بكل قواه نافضا عن جناحيه رماده البارد.