جفرا نيوز -
محمد سلامة
ما كان غير متوقع حصل، فقرار رئيسة جامعة كولومبيا باستدعاء قوات الأمن لتفريق المتظاهرين الطلاب ضد الإبادة الإسرائيلية بغزة، انتشر كالنار في الهشيم بين طلبة الجامعات الأمريكية التي دخلت في انتفاضة ضد ساستها حتى وصلت إلى جامعة جورج تاون واييل وعشرات الجامعات، وانتقلت العدوى إلى الجامعات البريطانية والفرنسية وغيرهما.
انتفاضة الجامعات الأمريكية هي الأخطر في مسارات فكفكة هيمتة اللوبي الصهيوني عليها، وعلى صناعة القرار في البيت الأبيض، لأسباب هامة تتمثل في أن طلاب الجامعات هم جيل المتحول سياسيا عن أجيال قبلت بالرواية الصهيونية الانجلية لإقامة وحماية إسرائيل الثالثة، وأن معاداتها هي معاداة للسامية.
طلاب الجامعات يهتفون ليس لتطبيق القرارات الدولية واقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م، بل يهتفون لدولة فلسطينية من النهر إلى البحر واسقاط مشروع الصهيونية العالمية بالتخلي عنه، كونه يمثل قمة الانحطاط الأخلاقي والانساني، كما الشعارات المرفوعة تطالب رؤساء الجامعات بالكشف عن التعاون مع الجامعات الإسرائيلية ووقفه فورا وتبني خطاب سياسي مناهض لفكرة التعاون مع الجامعات العبرية.
إسرائيل الثالثة حركت كل أوراق قوتها على الساحة الأمريكية لاخماد انتفاضة طلاب الجامعات وفشلت، ومما تبين أن فئة الانجيليين دون سواها تقود اللوبيات الصهيونية شبه المعطلة وأن خطابها بات مكرورا، وأن اتهاماتها لكل من يعادي إسرائيل الثالثة بانه معاد للسامية اضحت سخرية بين جيل الطلاب القادمين إلى مؤسسات الحكم في الكونغرس ومجلس النواب والبيت الأبيض، وتعرى بشكل كبير الصوت الداعم لإسرائيل الثالثة واكاذيبها وهيمنتها على مفاصل القرار بالدولة الأمريكية العميقة.
لوبيات يهودية طلابية مشاركة بانتفاضة طلاب الجامعات الأمريكية وهذا أعطى قوة اضافية لمطالب الطلاب وعرى الساسة امثال رئيس مجلس النواب جونسون وكشف زيف اكاذيبه بتصريحاته المنفلتة، كما أن كلمة نتنياهو السادس للساسة الامريكيين بالتحرك واحباط معاداة السامية فضح تدخله غير المبرر في الشان الداخلي الأمريكي ولاقى استهجانا من ساسة يهود ولعل رد ساندرز عليه علنا فجر وجود خلافات عميقة داخل اللوبيات الصهيونية وعلاقاتها مع حكومة المتطرفين اليهود الراغبين بالهيمنة والتفرد في قرارات سياسية وأمنية تخص مستقبل الدولة اليهودية القومية الموحدة.
انتفاضة الجامعات الأمريكية تؤسس لأول واهم تحول تاريخي بين جيلةمترهل ما زال في إدارة مفاصل الدولة العميقة الأمريكية وبين جيل صاعد ضد سياسات الابادة الجماعية وضد ممارسات إسرائيل الثالثة وضد دعمها بمليارات الدولارات من جيوب دافعي الضرائب الامريكيين، ومما يتبين أن نفوذ اللوبيات الصهيونية يتراجع أمام المد الشعبي الطلابي وأمام النخب السياسية الحاكمة، وربما نشهد بعد سنوات انفلات الإدارات الأمريكية من تاثيرات القرارات الصهيونية.
انتفاضة الجامعات الأمريكية ليس وراءها طلاب عرب ومسلمون بل وراءها لوبيات طلابية من الصين وروسيا ودول أوروبية والأهم ما احدثته من شرخ عميق في فكر الطلبة الامريكيين، وما تشبيه نتنياهو السادس بما يحصل في الجامعات الأمريكية بأنه مماثل لما حدث في الجامعات الألمانية في ثلاثينات القرن الماضي وأدى إلى بروز معاداة الصهيونية العالمية، يتكرر الآن في الجامعات الأمريكية، فكل المؤشرات تؤكد أن اللوبيات الطلابية الحديثة باتت تتقزز من سياسات إدارة البيت الأبيض بدعم الإبادة الجماعية بغزة، كما أن الإعلام والفضائيات الأمريكية المنحازة لإسرائيل الثالثة انكشفت وتعرت أمام جمهورها واضحى خطابها واهيا وضعيفا، فيما حلت وسائل التواصل والسوشال ميديا محلها في نقل الحقيقة وتفنيد الرواية الإسرائيلية.
انتفاضة طلاب الجامعات الأمريكية تؤسس لثورة فكرية وثقافية ضد مشروع اللوبيات الصهيونية الانحيلية، وضد زعاماتها ، وبعد سنوات ربما نشهد بدايات لانفضاض الجميع من حولها، والاسوأ لإسرائيل الثالثة وحماة مشروعها قادم لا محالة وربما تصدق التنبؤات بأن نهايتها بات قريبة وقريبة جدا.