جفرا نيوز -
محمد خروب
هذا ما زعمه أول أمس/الثلاثاء الرئيس الأميركي/بايدن, في معرض الردّ على مُنافسه الجمهوري/ترمب. ما يعني من بين أمور أخرى أن إدارة بايدن كما الإدارت التي تعاقبت على البيت الأبيض... جمهورية كانت أم ديمقراطية, كذلك النُخب التشريعية ومعظم الأكاديمية ومراكز الفكر والبحث في الولايات المتحدة, ما تزال تعيش حال إنكار عميقة, رافضة الإعتراف بأنَّ الإمبراطورية الأميركية دخلت مرحلة الأفول, بعدما اعتقدت «واهمة بالطبع» وبخاصة بعد إنتهاء الحرب الباردة, وتفكّك الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو وانفراط عقد منظومة الدول الإشتراكية, ?سعينيات القرن الماضي, أن القرن الجديد سيكون «قرناً أميركياً»...بإمتياز. وأن تفرّدها بقيادة العالم ستتواصل, حيث لن يكون هناك دولة أو تحالف قادر على منافستها.
وقائع سنوات العقدين الأخيرين من القرن الـ"21", تدحض المزاعم الأميركية, بل تضيء على سلسلة من الإخفاقات والهزائم التي لحِقت بالولايات المتحدة، رغم إستغلالها أحداث الحادي عشر من أيلول 2001, لشنّ الحروب وعسكرة العلاقات الدولية, ورفع شعار «مَن ليس معنا فهو ضدنا", تحت طائلة العقوبات والحصار والشيّطنة والعزلة, وخصوصاً الإتهام بالإرهاب أو دعم المنظمات الإرهابية, ناهيك عن ظاهرة الإسلاموفوبيا التي إنتشرت في معطم دول المعسكر الغربي أو قل ما يصِف نفسه وزوراً بـ"العالم الحُرّ", إذ أشّرَت ضمن قضايا أخرى, إلى إستعادة منا?ات وأجواء الحروب الصليبية, وهو ما كان لفتَ إليه صراحة جورج بوش الإبن, «دُمية» تيار المُحافطين الجُدد, مُكرِّساً الغزوات المتتابعة لأفغانستان والعراق, ودعم الكيان الصهيوني في إعادة إحتلال الضفة الغربية, ودفن اتفاق «أوسلو» الذي «رعته» واشنطن/كلينتون, حفل توقيعه في حديقة البيت الأبيض علم 1993. مُتسلّحاً بـ"الإستثنائية الأميركية", في مواجهة القوانين الدولية, حيث واشنطن في نظره/بوش الإبن فوق تلك القوانين, خصوصاً ضد هيئة الأمم المتحدة, إذ تجاوزها وخرجَ إلى حروب وغزوات دون تفويض من مجلس الأمن.
هنا يُستحضَر مفهوم أو ما يمكن تسميته «عقيدة» أميركية ترسّخت منذ عقدين تقريباً, تُوصَف بـ"الإستثنائية الأميركية", والتي توافق المفكرون والمؤرخون بتعريفها على النحو التالي:(الولايات المتحدة تتفرّد بطبيعتها عن الأمم الأخرى، وهذا نابع من نشأتها من الثورة الأميركية، لتُصبح (ما أطلق عليه العالم السياسي/سيمور مارتن ليبست) «أوّل أمّة جديدة»، يُنظر إليها على أنها «مُتفوّقة على الدول الأخرى ولديها مُهمّة فريدة لتغيير العالم». وكان عالم السياسة والمؤرّخ الفرنسي/ ألكسيس دي توكفيل «أوّل» كاتب وصفَ الولايات المتحدة بأنه? «استثنائية» في عاميّ/1831 و1840).
فترة ما بعد هجمات 11 أيلول 2001 حتى الآن, شهِدت تراجعاً مُتدحرجاً للهينمة الأميركية, خاصة أنها ترافقت مع صعود قوى جديدة مُنافسة مثل الصين والهند, فضلاً عن إنتهاء «عشرِية الفوضى» التي ميّزت عهد الرئيس الروسي المُتأمرك/بوريس يلتسين, وصعود نجم فلاديمير بوتين, صاحب المقولة الشهيرة التي ما يزال صداها يتردّد في جنبات عواصم المُعسكر الغربي, منذ أطلقها في مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007, ومفادها: أن إنهيار الإتحاد السوفياتي هو أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين». على نحو لا يتوقف قادة الدول الغربية عن إتهام بوتين ب?نه يسعى الى «إحياء» الإتحاد السوفياتي, خاصة بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا 24 شباط 2022. وهو/بوتين كان إنتقد الرئيس الأميركي الأسبق أوباما عام 2013, عندما «فكّر» الأخير في خطاب له بتوجيه «ضربة» لسوريا, بعد أكذوبة إستخدام سلاح كيماوي ضد مدنيين سوريين, إذ قال بوتين: من «الخطير للغاية تشجيع الناس على رؤية أنفسهم استثنائيين مهما كانت الدوافع».
ثمَّة أسئلة تُطرَح... تفضح «أجوبتها» زيف الإستثنائية الأميركية وخطابها المُتهافت, الذي استبطنته تصريحات بايدن الأخيرة, من قبيل إختراع وتبرير أي عمل أو قرار أو حرب أميركية على أي دولة في العالم، بأنه يتوافق مع مصلحة «الأمن القومي الأميركي"؟. كذلك وعكساً للسؤال السابق, كيف يمكن تبرير قرارات أميركية بدعم وتسليح دولة تحتل أراضي الغير وترتكب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية, وتقول واشنطن انها تخدم الأمن القومي الأميركي؟. زد على ذلك إزدراء الولايات المتحدة لكل الهيئات والمنظمات الدولية الحقوقية ?الثقافية, مثل محكمة الجنايات الدولية, التي لم توقّع على ميثاقها المعروف بـ"ميثاق روما» (كما دولة العدو الصهيوني), فيما تتدخل (هي وإسرائيل) في عملها وتمارس ضغوطاً عليها, حدود التهديد بالعقوبات من أجل الإتيان بمدّع عام يكون طوع أوامرها كما هي الحال عندما «جاءَتا» بالبريطاني/كريم خان على رأسها, وهو/خان يخون القَسَم الذي نطق به عندما تسلم منصبه, ويدير ظهره لحرب الإبادة الصهيوأميركية على قطاع غزة المنكوب.
سؤال أخير أي دولة في العالم تزعم أنها «قائدة» العالم, أو كما قالت مادلين اولبرايت: بأنه (لا غِنى للعالم عن الولايات المتحدة), وتعمل على نشر قيم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان في العالم، فيما هي تعسكر العلاقات الدولية ولا تتوقف عن بناء القواعد العسكرية في معظم دول العالم (أزيد من 900 قاعدة في الدول العربية والعالم), وتواصل ضم المزيد من الدول لحلف الشرّ المُسمى حلف شمال الأطلسي/الناتو؟.