جفرا نيوز -
د. جواد العناني
الاسم الروماني لمدينة عمَّان هو «فيلادلفيا»، وقد أطلق الاميركان نفس الاسم على اكبر مدن ولاية بنسلفانيا والترجمة الغربية لكلمة فيلادلفيا الرومانية هو «حديقة الحب الأخوي»، حيث تجمع عمان او «ربَّة عمون»، كل الأخوة ضمن اطار من الحب، والاتفاق والتوافق.
قبل عشر سنوات هجرية، أي في (27) من شهر رمضان من العام (1425) الهجري، التقى ثلة من العلماء المسلمين (مائتان) ويمثلون المذاهب الثمانية الإسلامية لكي يتفقوا على مبادئ ثلاثة «تحديد من هو المسلم، الطرد من الإسلام (التكفير) والمبادئ الأساسية الناظمة لتسليم المراسيم الدينية (أو ما يُعرف بأسلوب اصدار الفتاوى الشرعية).
وفي رسالة عمان التي صدرت عن ذلك المؤتمر الذي عقد في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، وبمبادرة ورعاية كريمتين من صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني، اتفق العلماء الحاضرون على أن المسلم هو كل من آمن بالله ورسوله وملائكته وكتبه ورسله غير مفرق بين أحد منهم، وآمن بأركان الإسلام الخمسة، وتقيد بها، وينطبق هذا على مدارس السُنَّة سواء كانت شافعية، ام حنفية، أم حنبلية أم مالكية، أو كان من الأباضية، أو من الإمامية الجعرفية، أو الزيدية، أو كان متصوفاً أشعرياً، أم غيرها.
والمبدأ الثاني أنه لا يجوز بسبب خلافات في الرأي أن يُكفر أتباع أي مذهب او طريقة اتباع مذهب آخر، بل ان الجميع يرفض التطرف، ويقبل بالمصالحة والحوار سبيلاً والوسطية في الموقف مرجعاً.
أما المبدأ الثالث فينص على أن اصدار الفتاوى له شروط تتعلق بأسلوب اصدارها وبقدرات وَعِلْم مُصدِرِها. ولا يجوز لأي كان أن يتصدر أو يبادر باصدار فتوى في زمن شاعت فيه الفتاوى الفاسدة والمُتطرفة والخارجة عن الأصول.
وقد صدرت «رسالة عمَّان»، من قبل مائتين من كبار علماء المسلمين، وترجمت إلى عدد كبير من اللغات، وقد أتت هذه المبادرة الملكية بعدما احتل الأميركان افغانستان عام 2001، والعراق 2003، وكثرت الحركات الدينية المُتطرفة التي اساءت إلى سمعة الدين وربطته في أذهان كثير من سكان الأرض بالإرهاب فلذلك كانت هذه الرسالة مهمة جدا في تصديها للتهم التي تكال ضد الإسلام والمسلمين. ولذلك، كان اجماع العلماء المسلمين وكبارهم ضرورياً بل وواجباً كي يتصدوا للمسيئين للدين ممن يدعون أنهم ينتمون إليه، أو من المجندين للمتطرفين والشباب خدمة لأعداء الأُمَّة.
وقد جاءت خطوة الملك عبدالله الهاشمي في سياق الجهود التي بذلها والده المغفور له باذن الله جلالة الملك الحسين بن طلال، الذي أسَّس جامعة آل البيت لتدريس الإسلام الوسطي المُعتدل. وفي الدعوة المستمرة من سمو الأمير الحسن بن طلال في دعوته الدؤوبة إلى الإعتدال والانفتاح والحوار.
وقد سعى الراحل الملك الحسين بن طلال إلى المصالحة مع إيران لما تولى رئاسة جمهوريتها السيد محمد الخاتمي، وهو هاشمي المحدد، وكان الملك الراحل يشير إليه قائلاً: «ايه ابن العم». ولكن لما فشل الرئيس الخاتمي في عملية الإصلاح، وفي تقليل نفوذ رجال الدين في السياسة عبر إعادة النظر في مبدأ «ولاية الفقيه»، فقد انقضت سنوات حُكمِهِ الثماني، ليخلفه الرئيس محمود أحمدي نجاد المُتطرف. وهذا أمر لاقى قبولا من الحركة الصهيونية ومن المتطرفين في الحكومات الإسرائيلية لأنه وجود التطرف المذهبي في إيران يعطي التطرف اليهودي في إسرائيل دفعة لتبرير أعمالهم ضد أهل فلسطين ودول الجوار العربي بما فيهم الأردن ولبنان وسوريا وحتى إيران نفسها.
وقد بذل الراحل الملك الحسين العظيم جهداً مع الإدارة الأميركية للتصالح مع الجمهورية الإسلامية مِنْ أجل نزع فتيل التطرف، ومن أجل دعم المدرسة الإصلاحية في إيران نحو الوسط ولكن إدارة الرئيس «بيل كلينتون» آنذاك لم تفعل كذلك بتأثير اللوبي الصهيوني في ردهات الكونغرس والإدارة التنفيذية في الولايات المتحدة.
ولو تمعنا بتأمل في السياسة الإيرانية تجاه الأردن خاصة لرأينا انها انصبت على اعتبار الأردن واجهة مهمة لمقارعة إسرائيل. وبدلاً من أن يخاطبوا الأردن بلغة الاحترام المُتبادل، فإنهم منذ أيام أحمدي نجاد وحتى الآن يناصبون الأردن العِداء، ويكيلون له شتى التُهم. ولكن الأردن الذي يسعى أن تكون علاقته بالجمهورية الإسلامية متوازنة ومحترمة، لا يأبه كثيراً بالموقف الإيراني منه والسبب أن الثورة الإيرانية شجعت التدخل الأميركي العسكري في العراق، ورأت سوريا تتمزق وساهمت في ذلك. ورأت لبنان يتمزق ولم تأبه. وتجزأت اليمن ولم تفعل شيئاً. فهل كانت العراق وسوريا ولبنان واليمن ساحة للتدخل الإيراني وتوسيع نفوذه، أم أنها كانت لتقوية هذه الدول، صحيح أننا لا نستطيع ان نغفل دور إسرائيل ومناصريها في تمزيق وحدة هذه الدول، ولكن السؤال المنطقي لإيران هو «هل كنت جزءاً من الحل للمشاكل المستعصية في هذه الدول أم أنك كنت جزءا من مشكلتها» سؤال يجب أن تجيب عليه إيران وكثير من رجال الدين فيها يتفاخرون بان نفوذ الجمهورية الإسلامية قد توسع في أربعة عواصم عربية أنهم قادرون على مقارعة الولايات المتحدة، ولا أحد سيهب لنجدتها لو ضربتم فيها، والأردن ينظر إليكم كرصيد كبير وسند قوي. ولكنكم لم تقدموا للأردن أي شيء يدل على حُسن نواياكم تجاهه. فكيف سيثق بكم؟ وسيرى في صواريخكم ومُسيّراتكم إلى إسرائيل، والتي لم تُحْدِثْ سوى ضرر ضئيل، تهديداً أكبر لأمن الأردن ويرى فيها عذراً لإسرائيل للسعي لدخول الأراضي الأردنية وجعله ساحة قتال.
الأردن الذي نجا من كثير من الأخطار الإقليمية، لا يخافكم ولا يكرهكم، ولكنه لا يثق أن سياساتكم تراعي الحد الأدنى من مصالحه الاستراتيجية سواء في المشروعات مع العراق، أم في الوصول إلى تهدئة الأمور في سوريا ولبنان، أم في السعي للوصول لحل سلمي في اليمن، وكلها دول مهمة لنا سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً. ألا ترون حجم الضرر الذي تحمّلهُ الأردن.
العقل زينة، والوسطية نعمة، وبمناسبة اقترابنا من اليوبيل البرونزي لـ«رسالة عمان» دعونا نحييها روحاً ونصاً لصالح الجميع.