جفرا نيوز -
جفرا نيوز عوني ذنيبات
لكي نفهم ما أصاب اليسار العربي من وهن وضعف ، فيجب أن نتوقف عند بعض ما كتبه "الحكيم" جورج حبش آخر عمالقة اليسار العربي والذي شكل رحيله خسارة كبيرة لليسار العربي حيث قال في إحدى مقالاته :-"لا يمكن الحديث عن أزمة اليسار العربي وأسباب حالة الإنكفاء والتهميش التي وصل إليها اليوم دون مراجعة تاريخ هذه الحركة والوقوف أمام أخطائها ومنعطفاتها على مستوى التكتيك والإستراتيجية"
ويضيف:-" إن نظرة تقويمية لحركة اليسار العربي تفتح باب الأسئلة حول تجارب الأحزاب اليسارية العربيه بجناحيها الشيوعي والماركسي القومي ، خاصة أن كثيرا من القراءات لتجارب بعض هذه الأحزاب باتت تسلم بإخفاقها عن استيعاب ووعي حركة الواقع وبالتالي فشلها في تغييره".
ويتساءل حبش :-" السؤال الذي يطرح نفسه دوما في هذا السياق هو لماذا أخفقت البرامج التي طرحها اليسار العربي في تحقيق التحولات المطلوبة على أرض الواقع؟ ولماذا لم يصبح اليسار العربي قوة تغيير حقيقية؟ ولماذا بدا هذا اليسار بالضعف بعد انتهاء الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية ؟ "..
يجيب الحكيم الراحل على تساؤلاته السابقه :-" أعتقد أن أهم المشكلات التي أدت باليسار العربي إلى أزمته وبالتالي إلى عدم إنتاج وعي مطابق لحركة الواقع العربي هو اعتماده بالدرجة الأولى على إستعارة مقولات نظرية جاهزة أنتجتها بعض الأحزاب الماركسية العالمية وإسقاطها على واقعنا دون النظر في متطلبات هذا الواقع وإشكالياته على اعتبار أن هذه الأحزاب قد حققت في حينه بعض الإنتصارات والتحولات في بلدانها ثم تبين بعد انهيار الإتحاد السوفييتي والمنظومة الإشتراكية أن هناك ضرورة لإعادة النظر في كل التجربة الإشتراكية ودراستها".
بعد كل ما سبق من حديث الحكيم ، فإن المراقب بعين الحقيقة يرى بأن اليسار العربي عموما بعد تفكك الإتحاد السوفييتي وتخلي الشيوعيون عن شيوعيتهم ، أصبح في هذه المرحلة بعضهم يتسم بالإنتهازية المكشوفة والإرتماء في أحضان السلطة ، وقد وظفوا كل ذلك لمناصبة "الأخوان المسلمين" احيانا العداء والإنتقام منهم بسبب تحالفهم الأخوان مع بعض الأنظمه ومشاركتهم في قمع اليساريين والقوميين المعارضين.
هذا هو الواقع ، ونتساءل :-كيف يقبل يساري عريق متزمت لفكره اليساري دعوة السلطه للإرتماء في حضنها ؟!. !
وكل ذلك يعود إلى تآكل القاعدة الشعبية التي لطالما اعتمد عليها اليسار ، لا كما يقال بأن ذلك يعود إلى غياب الأتحاد السوفييتي وسوء أداء النخب وقلة إلتزامهم الأيديولوجي وهي أسباب ثانويه.
لقد قادت الروح الإنتقامية لبعض الاجنحة في اليسار العربي ليتحول من يساريته إلى دائرة الطائفة ، والذي معه تثار علامات الدهشة والتساؤل كيف لليسار الماركسي أن ينجرف الى قاع الطائفيه فيتحالف مع أشد بعض الأحزاب الدينية الطائفيه .
مما جعل هذا اليسار يختبئ في أحشاء الطائفية ويتكئ على عمامتها في محاولة منه للملمة آخر الأنفاس في جسده المتهاوي بعدما استشعر الخطر الشديد عند تعرض أنظمة الحكم في ليبيا وسوريا واليمن بعد ثورات الربيع العربي باعتبار أن هذه الدول الثلاث هي آخر الساحات والمعاقل التي تحمل نفس الشعارات ، وكانت تشكل حاضنة للغالبية الساحقة من نشاطاتهم ، وبالتالي فإن سقوطها يعني إندحار تيار اليسار والقومية.
الكاتب والصحفي (عريب الرنتاوي) يقول في مقالة له:-" من يتتبع تفاصيل علاقة اليسار العربي خاصة والعلمانيين العرب عامة بحركات الإسلام السياسي بجناحيها السني والشيعي تحديدا بعد انتهاء الحرب الباردة لا بد أن يلحظ أنها سلكت مسارب ثلاثه:-
الأول ويتميز ب "الإستتباع" و"الذيلية" ولا سيما بإزاء تيارات الإسلام السياسي الشيعي "المقاوم".
والثاني يتميز بالنبذ والإقصاء ولا سيما مع تيار الإسلام السياسي السني الإخواني بخاصة ربما باستثناء حركة حماس مقابل "الاستلحاق" بالدولة العميقة.
الثالث ويتميز بالاستقلالية والتكافؤ والندية مع أنه مسار ثانوي لم تسلكه سوى فصائل وشخصيات محدودة.
ويتابع (الرنتاوي) :-"لقد لجأت قوى وتيارات إسلاميه إلى استغلال الإحتياج العلماني للتحالف مع قوى شعبية نافذه لتحقيق أغراض أخرى، منها استيعاب المخاوف من النفوذ المتفرد والمهيمن لهذه الجماعات واستغلال علاقات العلمانيين الإقليمية والدولية خاصة ، من أجل التجسير مع عواصم صنع القرار الدولي ومراكزه ومنها منع خصوم الإسلاميين من جنرالات ودول عميقة من وضع اليد على إرث العلمانيين العرب من يساريين وقوميين وديمقراطيين ليبراليين ووطنيين مستقلين.
ويقول الرنتاوي:-" في معظم تجارب العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين في العالم العربي في السنوات الأخيرة ، فقد اليساريون والعلمانيون لونهم وهويتهم ، حتى أنهم لم يعودوا يجرؤون على الجهر بعلمانيتهم ويفضلون استخدام مصطلح "المدنية" بدل "العلمانية " في وصف حركاتهم وأحزابهم، ولم تعد لديهم القدرة على توصيف هوية الدولة التي يطمحون لبنائها ويناضلون في سبيلها".
مما تقدم فإننا نخلص إلى أن بعض اجنحة اليسار العربي قد فقد بوصلته وهويته وتاه في خضم المتغيرات الدولية ، هناك عقد تحالف بين اليسار وبعض التيارات الطائفية بعدما فقد اليسار مرجعيته "الاتحاد السوفييتي" والمنظومة الاشتراكية الدولية