جفرا نيوز -
بقلم رشاد ابو داود
غداة حرب 1967 تعالت أصواتنا باستنكار موقف الاتحاد السوفييتي الذي كان الحليف الأقرب والأقوى لمصر عبد الناصر وسوريا وبعض الدول العربية. تساءلنا لماذا لم تقف موسكو الى جانب حلفائها العرب في الحرب؟ كان جواب موسكو، نحن معكم ودورنا أننا نزودكم بالسلاح لكن لا تطلبوا منا أن نرسل جنودنا لاطلاق هذا السلاح بدلاً منكم.
نحن لم نتعلم الدرس. الدول تعتبر مصالحها ومصالحها فقط، وان بقي متسع تساعد فالأقربون في الدين أو العقيدة أو الجغرافيا أولى بالمساندة. تساعد لكن بما لا يمس أرضها وشعبها.
هذا ما فعلته ايران ليلة المسيرات والصواريخ على اسرائيل السبت 14 نيسان الحالي.
فطهران أعلنت أن العملية رد على الهجوم الاسرائيلي على قنصليتها في دمشق على اعتبار أن سفارة أو قنصلية أي دولة في أي مكان بالعالم تعتبر وفق القانون الدولي جزءاً من أرض تلك الدولة. ولم تقل إن العملية رد على الجرائم الاسرائيلية في غزة رغم أنها تقوم بما يتعارض مع مصالحها بصورة غير مباشرة.
لذلك كانت تعلن عن بدء انطلاق الطائرات المسيرة التي كان وصولها الى اسرائيل تسع ساعات وهو الوقت الأكثر من كاف لكي تتهيأ اسرائيل وأميركا للاستعداد لاسقاطها. وما كدنا نتساءل : وهل من يريد ضرب اسرائيل يرسل طائرات تستغرق كل هذا الوقت بينما يمتلك صواريخ لا تحتاج الا لدقائق معدودة بدلاً من الساعات التسع، حتى اعلنت طهران بعد ساعتين أن الهجوم «مركب» وأن المسيرات مقدمة لاشغال الرادارات عن صواريخ كروز والباليستية التي انطلقت باتجاه اسرائيل. واعلنت في وقت لاحق توقف العملية التي كان الهدف منها ضرب قاعدة عسكرية في النقب جنوب فلسطين المحتلة انطلقت منها الطائرات التي قصفت قنصليتها في دمشق.
طبعاً تم اسقاط معظم المسيرات وتدمير الصواريخ حتى قبل أن يصل بعضها الى اسرائيل التي ادعت أن تسعين بالمئة منها اسقطت. ونسبت الى جيشها مهمة الاسقاط وروجت حكومة نتنياهو أن هذا «انتصار» لها علماً أن واشنطن كذبت هذا الادعاء وأعلنت أن قواتها المنتشرة في المنطقة هي من قام بالمهمة.
في حساب الربح والخسارة، عاطفياً، نحن المكلومون بضحايا الجرائم الاسرائيلية ضد أهلنا في غزة كنا نتمنى أن تكون العملية الايرانية انتقاماً لأكثر من 150 ألف شهيد وجريح ومفقود جراء ستة أشهر من العدوان والابادة الجماعية. أو بالأحرى أن يتطابق الهجوم الايراني مع المفردات التي تستخدمها طهران كوصف اسرائيل بالكيان الصهيوني وأميركا الشيطان الأكبر.
لكن ما حصل رغم ايجابياته كونه المرة الأولى التي تهاجم فيه ايران اسرائيل من أراضيها فانه أيضاً أفاد اسرائيل من حيث تخفيف الضغط العالمي عليها، التغطية على جرائم الاحتلال في غزة ولفت أنظار العالم عنها، توحيد الجبهة الداخلية في اسرائيل التي كادت أن تتفكك، انقاذ نتنياهو من مصير كان أقرب اليه من حبل الوريد.
عقلانياً، علينا أن نعود لنظرية المصالح وندرك أنه لا يحرر أرضك مثل سلاحك تماما كمقولة لا يحك جلدك مثلظفرك. وهاهم أهل غزة يفعلون ذلك في مقاومة باسلة وصمود شعبي أسطوري.
سياسياً، وبعد أن أكدت العملية الايرانية كما أكدت عملية طوفان الأقصى من قبل، أن اسرائيل بدون الدعم الأميركي والغربي نمر من ورق ولا تساوي قشرة بصلة !