النسخة الكاملة

أبو الراغب: "بلير" مهندس تهجيير الغزيين

الأحد-2024-04-07 02:10 pm
جفرا نيوز -
حاوره: بسام البدارين

رئيس الوزراء الأردني الأسبق المهندس علي أبو الراغب قرر مبكرا ومن أعوام اعتزال أضواء الإعلام ومزاحمات النخب بعد مسيرة حافلة بدأت بالعمل النقابي والمقاولات ثم تطورت عبر البرلمان وتولي عدة مسؤوليات ووزارات وانتهت بتشكيل حكومة يذكرها الأردنيون جيدا.

أبو الراغب ميال جدا لتجنب الأضواء والإعلام؛ لكن تصرفات وسلوكيات من يصفهم بـ «موتوري تل أبيب» تجاه الشعب الفلسطيني وتجاه بلاده كسرت حالة الصمت ودفعته للظهور في عدة منابر ولعدة مرات مؤخرا مطالبا بـ «الدبلوماسية الخشنة» في مواجهة «بلطجة اليمين الإسرائيلي».

مثل غيره من كبار سياسيي عمان راقب ويراقب أبو الراغب كل صغيرة وكبيرة حصلت وتحصل الآن بعد يوم 7 أكتوبر، وعند التحاور معه تلمس بعض الانطباعات والتحليلات والزوايا غير المألوفة في النقاش.

في النقاش التالي يجيب أبو الراغب بوضوح وصراحة على أسئلة فرضها الواقع الموضوعي للحوار واختلطت فيها الرؤية «الهندسية الإنشائية» مع تلك السياسية. 



- في الحديث عن «تدمير غزة» وإعادة الإعمار سمعناك في تعليق «سياسي وفني» بآن واحد، هل يستطيع أهل غزة إعادة إعمارها؟

 أعمل في المقاولات منذ عام 1972 وأعرف يقينا بحكم خبرتي كمقاول سابقا ونقيب للمقاولين ما هي الامكانات الفنية التي يتميز بها الفني والتقني والعامل الغزي تحديدا.

نعم أشهد بأن العمال من أبناء قطاع غزة هم الأفضل بالمستوى العربي تقنيا وفنيا والأكثر جدية وقدرة على الابتكار والإبداع؛ لذلك وفي الجانب الفني هنا لا أخشى وجود نقص في العمالة عندما يتعلق الأمر بإعادة إعمار قطاع غزة، فطبقة العمال من الغزيين المهرة خبراء في الإنشاءات والمقاولات ولديهم أفضلية عن غيرهم خلافا لجديتهم الكبيرة وقدراتهم الإبداعية في التنفيذ وبسرعة وبدون كلل أو ملل؛ ومن هنا يمكن القول لست قلقا على مستقبل أبناء قطاع غزة الذين لديهم القدرة على التكفل بإعادة إعمار بلادهم.




-  لكن بتقديرك ما هو هدف العدوان وهو يتقصد «تدمير كل شيء» في غزة ؟


 أغلب التقدير أن ما يحاول التخطيط له الإسرائيلي ويفعله هو تطويق أهل القطاع أملا طبعا في تهجيرهم ودفعهم للمغادرة والخروج.

ولا يخفى على الجميع تلك التقارير التي تتحدث عن مشاريع عملاقة للاستثمار في الطاقة وغاز غزة ولا يخفى عن الجميع أيضا أن نجم وبطل سيناريوهات التهجير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير يدخل على الخط بموجب ما قرأناه في وسائل الإعلام وقد ظهر اسم بلير في سياقات محددة خلال العدوان وبصيغة ينبغي الانتباه لها والحذر منها.

والإسرائيلي الخبيث هنا يستعين بمن هو أخبث منه لتطبيق هذه الوصفة في التهجير الناعم، بمعنى الاندفاع باتجاه جعل قطاع غزة مكانا غير قابل للحياة ثم يتقدم شخص مريب مثل بلير بخطط ويتواصل باسم الإسرائيليين مع عدة دول في العالم الغربي لكي تستقبل أهالي قطاع غزة.

 وأرى بأن أهل القطاع يمكنهم إظهار تمسكهم بالبقاء في بلادهم وترابهم وقناعتهم راسخة بانه لا يوجد إلا الجنة أفضل من قطاع غزة بالنسبة إليهم، وقد سمعنا وقرأنا العديد من أبناء القطاع يجهرون بذلك في رسالة مضادة لمخطط التهجير خلافا طبعا لاستمرار الصمود وأداء المقاومة.





-  أردنيا كيف نقرأ بمعيتكم مخاطر التهجير إن حصل في قطاع غزة ؟


 التهجير ملف مفتوح ولم يغلق بعد وهو بكل حال من أبرز المخاطر التي ينبغي لنا كأردنيين الانتباه لها دوما.

جلالة الملك أبلغني قبل 22 عاما بأنه لن يسمح بمسألتين وسيعتبرهما فعلا من الخطوط الحمراء التي تستدعي كل قواعد الاشتباك والمواجهة والتصدي.

والحديث هنا عن التهجير في الضفة الغربية ثم عن القدس والمسجد الأقصى والحسم بخصوصهما؛ تلك خطوط حمراء أردنية «معلنة» بكل حال ونعلم جميعا كأردنيين أن جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورث ذلك عن والده الملك حسين رحمه الله.

وبالتالي طبعا موقف الأردن ضد التهجير أساسي ومفصلي خلافا لأن الموقف الرسمي والملكي هو الأنقى والأنظف والأعمق وهو الذي يحاور ويناور في اتجاهات تثبيت ودعم وإسناد أهلنا في قطاع غزة والضفة الغربية وتعزيز صمودهم. 

وهي منهجية أوافق عليها ولو كنت رئيسا للوزراء لاعتبرتها الأولوية الأساسية لكل طاقمي وللمؤسسات الحكومية، ومن هنا تقفز أهمية الاعتبارات التي تنادي بدعم صمود المواطن الفلسطيني في أرضه لأن في ذلك بدون شكوك ومزاودات مصلحة مباشرة للأردن والأردنيين.




- يتوسع الجدل السياسي خصوصا بين الأردنيين حول نهايات المعركة الحالية…في معادلة المقاومة والاشتباك الحالي أين يقرأ أبو الراغب مصلحة المملكة؟

 قناعتي راسخة وبصورة قطعية بأن مصلحة الأردن الأساسية والمفصلية اليوم تقتضي بأن لا تخسر المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

تلك المقاومة يمثلها رجال صادقون وجديون ومن يحارب ويقاتل العدو ويحمي بلاده وأرضه لنا بالتأكيد كأردنيين مصلحة مباشرة معه قياسا بإقامة علاقات ومصالح مع من لا يحاربون بالمقابل لأغراض تمرير التوازن السياسي.

اليوم التوازن السياسي في الحالة الأردنية قد يتطلب التحرك المدروس من مستوى الأدوات الدبلوماسية الناعمة إلى الخشنة في الرد على المعتدي الإسرائيلي وخطط وطموحات اليمين الإسرائيلي ثم الاتجاه نحو الأدوات الدبلوماسية المنيعة أو العنيدة والجريئة ان شئتم.

لاحظنا جميعا سيموريتش وهو يعرض في باريس خريطة تشمل المملكة الأردنية من دون أن يستدعي سفير الكيان الإسرائيلي ويتم توبيخه على الاستعراض المخبول لوزير مالية حكومته.



-  بالخلاصة ما هو المطلوب من نتائج وتداعيات حتى تتوازن المصالح الأردنية؟


المطلوب الآن حزمة إجراءات وبالتأكيد ان تكسب المقاومة الفلسطينية المعركة الحالية، بمعنى الصمود وليس الكسب بهزيمة الطرف الإسرائيلي الغادر والمجرم، يعني أن الأردن يكسب في النهاية بالمسار الاستراتيجي.

وعلينا أن نذكر هنا أن جلالة الملك عبد الله الثاني ونحن نلحقه دوما، هو أول من وصف ما يجري ضد الأهل في قطاع غزة باعتباره حرب إبادة إسرائيلية.

علينا كأردنيين أن نفهم ذلك ونبدأ بالتصرف على أساسه وحسبي أننا في الموقف الرسمي نفعل.




-  ما الذي يمكن أن يقال برأيك عندما يتعلق الأمر بقصة «إعادة بناء المرجعية» الفلسطينية؟

 ما يحضرني بالمناسبة خصوصا بمناسبة الحديث عن إعادة بناء الشرعية الفلسطينية بمعنى الاستثمار في الظرف الراهن والعودة للمربع الأساسي والمفصلي وتجنب تكرار أخطاء الماضي هو ما حصل معنا جميعا في العراق.

كلنا يعرف أن مستشفيات العراق اليوم لا تعمل وأن مؤسساته لم تحقق انجازا بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين بالرغم من كل ما قيل ويقال عن العراق الديمقراطي الجديد والإصلاح.

وهذا درس مهم لأن سياسة اجتثاث حزب البعث دفعت باتجاه فساد القطاع العام في العراق وتحول العراق عمليا إلى دولة فاشلة.




- تلك مقاربة مثيرة…هل نتحدث عن المقاومة الفلسطينية؟

 لا بد من تحذير كل الأطراف من أن سياسة اجتثاث المقاومة الفلسطينية من المعادلة وإخراجها عن الطاولة السياسية قد تؤدي إلى نفس نتائج اجتثاث البعث في الإدارة العراقية؛ والقصة لا علاقة لها بالمعركة العسكرية ولا حتى بالعسكريين، وما نتحدث عنه حكومة تضم البيروقراط وأصحاب الكفاءة والمهارة الفنية‘ والبيروقراط من سنوات طويلة في قطاع غزة يشكلون حكومة حماس.

وبالتالي علينا أن نفهم أنه لا يمكن عمليا إعادة بناء المستشفيات ومواجهة الدمار ونتائج العدوان وإنقاذ القطاع الصحي مثلا في قطاع غزة لأغراض نجاح أي عملية سياسية بعد الآن بدون الاستعانة بخبرات أبناء حماس في القطاع الصحي والإداري.

مجددا هنا حصرا لا نتحدث عن «العسكري» في المشهد بل عن السياسي والإداري بالمقام الأول.

أفترض بأن أي خطة دولية أو عربية أو حتى أردنية تحت عنوان الربط أو منع عدم الربط بين قطاع غزة والضفة الغربية تقتضي تجنب فكرة اجتثاث حماس وإبعادها تماما عن مسرح العمليات الإدارية، ونجاح تلك الخطط مرتبط بحجم الاستفادة من خبرات حماس ورجالها البيروقراطيين الذين يعرفون كل زقاق وكل متر وكل زاوية في قطاعهم ولديهم خبرات عريضة في التعامل مع مجتمعهم.

إبعاد الإدارة الحمساوية يعني إبعاد الخبرات المؤثرة القادرة على الإنتاج والإنجاز وبالنتيجة إبعاد أهل قطاع غزة عن المشاركة في إعادة بناء قطاعهم وبالتالي مستقبلهم…تلك بكل حال اتجاهات عدمية إذا كنا في النظام الرسمي العربي جادون في رفض التهجير.





-ما دمت تتوسع في الحديث عن التكنوقراط والبيروقراط لابد من التوقف عند محطة الوضع الفلسطيني عموما؟

 اسمعوني جيدا: الحاجة ملحة أمس قبل اليوم لمصالحة ووحدة وطنية فلسطينية ويمكن طبعا تشكيل حكومة لا تمثل الفصائل وتمثل الفنيين والتكنوقراط «وقد رصدنا خطوة في الاتجاه مؤخرا» لكن بموافقة الفصائل دون أن ننسى الرابط الأساسي الوطني في الملف الفلسطيني وبين جميع مكونات النسيج الفلسطيني وهو منظمة التحرير.

عند الحديث عن «ثنائية السلطة وحماس» والربط بين «الضفة والقطاع» وفي سياق قائمة الاحتياجات الوطنية كما يعرضها المخضرم الرئيس أبو الراغب يصر على أن المعادلة التي تفترض «السلطة أم حماس» بحد ذاتها مختلة وعبثية.

يشرح أبو الراغب: الحديث عن تمكين بيروقراط حماس من العمل في القطاع لاحقا يعني العمل معه وعدم إسقاطه من الحسابات ولا يعني إطلاقا انه «بديل عن السلطة».

والمقصود العمل الوطني الوفاقي الجماعي بعد غطاء «مصالحة وطنية وتوحيد المرجعيات».

والمعنى هنا أن خبرات السلطة المقدرة في الإدارة والبناء في الكثير من التفاصيل «قد لا تعمل بكفاءة» داخل قطاع غزة وعند إعادة إعماره إذا تم استبعاد أبناء القطاع وخبراء حماس وبقية الفصائل من أولاد البلد.





-  ما الذي يعنيه ذلك بصورة تفصيلية أكثر؟

مهم جدا القول إن السلطة وحماس ينبغي ان ينتهي الخلاف بينهما بكل حال، ونحن نتطلع مع أهلنا في الشعب الفلسطيني إلى مرحلة توافق تعيد البناء وصولا إلى الحق الفلسطيني، فهذه مرحلة قسرية وأساسية ومطلوبة ولا يمكن التساهل فيها بعد الآن.

والمطلوب مزيج وطني يمثل السلطة وحماس وكل المكونات في منظمة التحرير وبطريقة إطارية ديمقراطية لإعادة البناء لأن التضحيات ستصبح مجانية إذا لم يحصل ذلك.



-  هذه نظرة أعمق لطبيعة الأمور قد لا تعجب كثيرين في كل مكان؟

 شئنا أم أبينا.. أعجبنا الأمر أم لم يعجبنا سواء في العالم العربي أو في العالم حركة حماس جلست اليوم على الطاولة وجلست أيضا في عمق المعادلة السياسية الوطنية الفلسطينية، وهي موجودة لا يمكن إنكارها ولا تقويضها.

وبالتالي لإنجاز حالة فلسطينية تعيد بناء المرجعية ينبغي أن تبقى حماس وفصائل المقاومة معها في الحضور الحيوي بأي معادلة مستقبلية أو سياسية.

وللإنصاف نقول: حماس وشقيقاتها في فصائل المقاومة عنوان للتضحيات الكبيرة التي قدمت مؤخرا ويكفينا ان حماس قادت بمن تمثلهم من الفصائل المواجهة مع العدو لوحدها ولأول مرة من 70 عاما.

لا بل تمكنت من مواجهة وإيذاء العدو عندما أعطبت أكثر من 1000 دبابة وآلية وواجهت جيشا مجرما وقتلت وأصابت الآلاف منهم في معركة أرى أن المقاومة انتصرت فيها بصرف النظر عن النهايات وما سيحصل لاحقا.

هذه حقيقة واقعية ومن يحاول إنكارها اليوم قد لا يستطيع تأسيس محاولته في إعادة بناء ما يسمى بالمشروع الوطني الفلسطيني.



- هذا الطرح يبدو واقعيا…هل تعتقد أن سردية «إقصاء حماس» لن تنجح؟

 الواقع يقول إن حركة حماس موجودة وبقوة؛ والواقع على الطاولة وفي الميدان يقول إنها ينبغي ان تتواجد عند التفكير في أي تسوية سياسية.

وإذا كنا نريد إقصاء حركة حماس وعدم إنصافها وإبعادها عن الحوار السياسي على أساس معادلة التمسك بالسلطة الفلسطينية التي بالمناسبة قوضها وأجهز عليها وأضعفها جدا بنيامين نتنياهو أكثر من غيره.. إذا كنا نريد أن نفعل ذلك أعتقد أن النتائج لن تكون كما نتأمل بعد الآن.

وعليه يمكن القول وبضمير مرتاح بان أي محاولة لإبعاد حركة حماس وحرمانها من المشاركة في المكاسب السياسية لمعركة طوفان الأقصى لا تنتمي لأصل وجذر الواقع.



كيف نخدم حل الدولتين؟

والأهم من ذلك أردنيا أن مثل هذه المحاولة ستعني بالضرورة إخفاق وفشل حل الدولتين؛ وحل الدولتين عمليا هو اليافطة الأفضل التي يحملها الأردن منذ سنوات طويلة ويتجول فيها بين دول العالم وإذا كنا جادين بحل الدولتين علينا التأسيس لمقاربة مختلفة في مسألة حماس تبقي حماس على الطاولة لا تشركها في تسوية منصفة.



- تلك أيضا مقاربة مثيرة…كيف ترى أننا نخدم حل الدولتين بمنع إقصاء حماس والمقاومة؟

 عندما نتحدث بميزان سياسي دقيق أقولها بوضوح: إبعاد حماس يخدم الإسرائيليين فقط ولا يخدم حل الدولتين ولا مصالح الأردن.

بالخلاصة فلسطينيا ما يختم به أبو الراغب هو إصراره على أن المزيج الوطني الفلسطيني هو جوهر وأساس أي مشروع لإعادة بناء المرجعية الفلسطينية حيث يمكن للسلطة الفلسطينية ان تبقى في الواجهة والإدارة والقرار لكن بوجود «غطاء مرجعي» تمثله منظمة التحرير الفلسطينية بعد «دمج جميع القوى» فيها وتجديدها وهو الوضع الوحيد برأي أبو الراغب الذي يكفل عملية إصلاح إدارية وسياسية شاملة.

القدس العربي
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير