جفرا نيوز -
بقلم رمزي الغزوي
في سهرة رمضانية جمعت شيّابا وشبابا اتجهت قاطرة الحديث من تعاسة السياسة وتلافيفها الفظيعة إلى سعادة الطفولة ومرابعها البهية الندية. وفي لحظة ضاحكة عاد بنا صديق ختيار، ما زال الطفل في داخله يقظاً تواقاً إلى كل دهشة وقفشة، إلى مغامراته الطرية، التي نعلم أنه يسردها للبكاء المر وليمرر رسالة عابرة للأجيال.
يقول الختيار إنه كان مشاكسا في طفولته، ولهذا لم يكن يعيش يوما بلا عقوبة من لدن أمه الحنونة، تتمثل في (قرصة خد) تصل الجلد السابع، أو (مصعة أذن) تجعله يدور حول نفسه كصرصور، أو بفردة حذاء تلاحقه كصاروخ أرض أرض، لا تصيب في النهاية إلا دفة ظهره.
ويضيف: وحين يكون ذنبي كبيراً، فلا بد أن يعلم به أبي الذي نعرف تماماً طعم خيزرانته الرجراجة، ولهذا أظل متوارياً عن الأنظار، لكنه يتوعدني أن مغيب الشمس سيجمعنا في البيت، ولا بد أن يرزعني (بدناً) مانعاً لا يناله حمار في مطلع.
كنت أطلطل برأسي من شق الباب، فأرى أبي يهزهز عصاه سائطاً الهواء، فيئز أزّا. ولأنه لا بدّ من المواجهة، فقد كنت أدخل مسرعاً نحو القنديل على الطاولة، وأحتضنه بين يدي؛ ليحميني من غضب أبي الخيزراني.
القنديل شمس الغرفة، ومصدر حياتنا الليلة، ولا غنى عنه، إن كسر فلا بديل له. ولهذا يبدأ أبي بالتفاوض معي ومهادنتي، وأنا كنت (أزعبر) معلناً توبتي، وهكذا حتى يعود القنديل إلى مكانه فأندس منتصراً بفراشي.
نضحك مع صديقنا الذي يضيف متبرماً، لا تستعجلوا على نصيبكم. فحينما يكون ذنبي خطيراً، كان أبي ينتظر حتى أطأ عتبة النوم الأولى؛ فيسحب اللحاف و»يرزعني» البدن الموعود قائلاً، إلى متى بدك تظل ماخذها بـ»الساحة إرباحة».
الأشرار الذين بيننا وفينا أذكياء انتهازيون في غالب أمرهم يسرعون إلى حمل مقدساتنا الوطنية بين أيديهم لتحميهم وتقيهم ما قد يصيبهم، فهم يعلمون أنها أعز من عقابهم. لكن إلى متى؟ هل ندعهم يأخذونها بالساحة إرباحة.
نخاف على وحدتنا الوطني من فيروسات الفرقة والجهوية والطائفية، لكن هذا لا يعني أن ندعهم ينامون بلا خيزرانة تئزهم أزّا.