جفرا نيوز -
بقلم حمادة فراعنة
الحلقة الرابعة
سجّل الأردن أنه البلد الأول الوحيد لسنوات طويلة، الذي اهتم بالمكون الفلسطيني الأول وهم الجزء المتبقي من الشعب الفلسطيني في مناطق الكرمل والجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، في منطقة الاحتلال الأولى عام 1948.
لقد تركز عنوان النضال الفلسطيني في مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، مواجهة سياسات الأسرلة والتغريب، من قبل الفلسطينيين، والتمسك بهويتهم الوطنية وقوميتهم العربية وانتمائهم العقائدي والقيمي الإسلامي المسيحي الدرزي، وقد قاد الشيوعيون الفلسطينيون، عصبة التحرر الوطني السياسة الوطنية القومية، في مواجهة محاولات الإفقار المتعمد، والتغريب بفرض التدريس باللغة العبرية، وفرض الرواية الإسرائيلية الصهيونية اليهودية، وتذويب المجتمع العربي الفلسطيني وتمزيقه بهويات مختلفة متعددة كأنها منفصلة عن بعضها، وفرض الحكم العسكري، وحرمان التنقل بين المدن والقرى، ووضع العراقيل أمام تلقي التعليم الأكاديمي الجامعي.
وبقي الوضع غير الطبيعي سائداً ومهيمناً ومفروضاً على المجتمع العربي الفلسطيني في مناطق 48، بالتسلط والعنصرية والتمييز حتى بداية الاحتلال الثاني لما تبقى من فلسطين عام 1967، حيث تلاقى أهالي منطقة الاحتلال الأولى مع أهالي القدس والضفة الفلسطينية وقطاع غزة، الأمر الذي عزز من الحضور الفلسطيني وعمق وحدته وتبادل خبراته، وبرمج نضاله بما يتفق والظروف السائدة المتاحة للمناطق الفلسطينية المختلفة.
بعد التوصل إلى معاهدة وادي عربة وحرية التنقل المتبادل مع الأردن عام 1994 من قبل فلسطينيي مناطق 48، الذين وجدوها فرصة للانفتاح والتلاقي وتعميق مرجعيتهم العربية والإسلامية، وجدوا لدى الدولة الأردنية ملاذاً يستندون إليه، وخيمة يستظلون بها، ورافعة يعتمدونها، وهذا ما حصل حقاً.
لقد شكلت لقاءات القيادات السياسية الفلسطينية من مناطق 48، قادة الأحزاب والنواب ورؤساء البلديات، مع رأس الدولة الأردنية آنذاك الراحل الملك حسين، واستجابته لمطالبهم بلا تردد، بلا منة، وبلا انحياز لحزب أو توجه أو شخصية دون أخرى، وكنت محظوظاً أنني شاركت في كافة تلك اللقاءات الثنائية والجماعية التي تمت مع الراحل الملك حسين، ومتابعتها وتنظيمها.
كان اتفاق كافة القيادات الفلسطينية من نواب الكنيست وقادة الأحزاب إلى الشخصيات المستقلة على المطالبة بالعناوين الثلاثة: 1- تأدية فريضة الحج، 2- تأدية مناسك العمرة، 3- فتح أبواب الجامعات الأردنية لتلقي التعليم الأكاديمي الجامعي، وهذا ما حصل.
من المعروف أن العربية السعودية تقدم لكل الجاليات الإسلامية في العالم ما نسبته واحد بالألف لتأدية فريضة الحج، ولما كان المسلمون في مناطق 48، لا يتجاوزون المليون في منتصف التسعينات، تم إعطاؤهم وفق النسبة ألف حاج في السنة، وأن يتم ذلك عبر بعثة الحج الأردنية، شريطة أن يأتوا عبر وثيقة جواز السفر الأردنية، ومن خلال الزيارات المتتابعة واللقاء مع الأمير ماجد بن عبدالعزيز أمير الحج، عملت على كسر نسبة الحج، باستثناء فلسطينيي مناطق 48، ومنحهم تدريجياً نسبة 1.5 بالألف، إلى 2 بالألف، حتى وصلت إلى أكثر من 4 بالألف، يصل عددهم اليوم 4500 حاج يؤدون فريضة الحج، عبر بعثة الحج الأردنية وجواز السفر الأردني، و21 ألف معتمر سنوياً.
كما تم فتح أبواب الجامعات الأردنية لفلسطينيي مناطق 48، وتقديم منحة ملكية لكل حزب سياسي بصرف النظر عن مواقفه، بواقع ثلاثين منحة لكل حزب: 1- الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة بقيادة محمد بركة، 2- الحركة الإسلامية بقيادة منصور عباس، 3- الحركة العربية للتغيير بقيادة أحمد الطيبي، 4- الحزب الديمقراطي العربي بقيادة طلب الصانع، 5- التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة سامي أبو شحادة، 6- الحزب القومي العربي بقيادة محمد حسن كنعان، وكذلك تم إعطاء منحة ملكية لكل من الطائفة الدرزية ولبدو بئر السبع بواقع 15 مقعداً لكل منهما.
ولنا أن نتصور تطور المشهد السياسي الاجتماعي الاقتصادي، من خلال تخرج آلاف الطلبة الفلسطينيين من الجامعات الأردنية منذ عام 2000 تقريباً، من الأطباء والمهندسين والمحامين والمدرسين التربويين، وغيرهم، حيث بات هؤلاء هم اليوم قادة المجتمع العربي الفلسطيني الذين تخرجوا من الجامعات الأردنية وتأثيرهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في قيادتهم لمجتمعهم وتطويره والحفاظ عليه بل وتعميق هوياتهم وانتمائهم الوطني والقومي والديني، ويعود ذلك إلى مساهمة الأردن في هذا التحول الإيجابي عبر الخدمات الثلاثة الحج والعمرة والجامعات التي يقدمها الأردن لهم.