النسخة الكاملة

قراءة في العفو العام لسنة 2024

الثلاثاء-2024-03-26 12:50 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم أ. د. ليث كمال نصراوين

أقر مجلس الوزراء مشروع قانون العفو العام لسنة 2024 مع إعطائه صفة الاستعجال، حيث قام المجلس بإحالته إلى مجلس النواب للسير في إجراءات إقراره وفق الأصول الدستورية. ويكمن السبب في اصباغ الصفة المستعجلة على مشروع القانون الجديد، لكي يتمكن مجلس النواب ومن بعده مجلس الأعيان من الانتهاء من إقرار مشروع القانون قبل نهاية الدورة العادية الثالثة التي يعقدها مجلس الأمة، والتي ستنتهي في الحادي عشر من الشهر القادم.

ومن خلال استعراض نصوص مشروع القانون الجديد، نجد بأنه قد أبقى على النهج التشريعي ذاته والمتمثل باعتبار تاريخ التوجيه الملكي للحكومة بإصدار عفو عام هو الموعد الفاصل لشمول القضايا الجزائية بالعفو العام من عدمه، وذلك أسوة بقانون العفو العام لسنة 2019. فقد وجه جلالة الملك الحكومة لإصدار العفو العام بتاريخ 20/3/2024، ليكون اليوم الذي سبقه هو الحد القاطع المعتبر لغايات الاستفادة من القانون الجديد.

وفيما يخص الجرائم المستثناة من العفو العام، فقد توسعت المادة (3) من مشروع القانون في الأفعال الجرمية التي لن يستفيد مرتكبيها أو الشركاء أو المتدخلين أو المحرضين فيها من العفو العام لتشمل صور جرمية جديدة لم ترد في القانون السابق لسنة 2019. فقد استثنى مشروع القانون الجديد من العفو العام الجرائم المرتكبة خلافا لأحكام قانون الكسب غير المشروع لسنة 2014، وجرائم الاتجار بالبشر خلافا لأحكام قانون منع الاتجار بالبشر لسنة 2009 بشكل مطلق دون أي استثناء، والجرائم المرتكبة خلافا لأحكام قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015 وتعديلاته، والجرائم المرتكبة خلافا لأحكام قانون المنافسة لسنة2004، وبعض الصور الجرمية في قانون حماية البيئة لسنة 2017.

إن اللافت للأمر في الجرائم المستثناة من العفو العام الجديد أنها قد شملت أفعالا جرمية منصوص عليها في تشريعات وطنية قديمة نسبيا، ولم يسبق أن تم استثناؤها في أي قانون عفو عام قديم، كجرائم قانون الكسب غير المشروع لسنة 2014 وجرائم قانون المنافسة لسنة 2004.

وقد وسّع مشروع قانون العفو العام الجديد من نطاق الاستفادة من الغرامات المالية المفروضة في الجرائم الجزائية لتشمل مخالفة قانون الإقامة وشؤون الأجانب لعام 1973، ذلك على خلاف القانون السابق لسنة 2019 الذي اشترط للعفو عن الجرائم المرتكبة خلافا لأحكام هذا القانون أن يقوم الشخص المعني بتوفيق أوضاعه خلال (180) يوما من تاريخ نفاذ قانون العفو العام.

ويبقى الاختلاف الأبرز في مشروع قانون العفو العام الجديد أنه قد شمل جرائم الشيكات بصورها المختلفة بأحكام القانون، وذلك دون تعليق الاستفادة من العفو العام على اسقاط الحق الشخصي أو دفع أصل المبلغ المطالب به أو المبلغ المحكوم به، كما كان عليه الحال في قانون العفو العام لسنة 2019.

إن تعامل المشرع الأردني في قوانين العفو العام السابقة مع جرائم الشيكات كان قائما على أساس استثناء هذا الجرم من نطاق العفو كما كان عليه الحال في قانون عام 1999، أو اشتراط اسقاط الحق الشخصي للاستفادة من العفو العام عن جريمة الشيك كما جاء في قانوني العفو العام لسنتي 2011 و2019.

وتبقى الملاحظة القانونية الأهم في مشروع قانون العفو العام الجديد أنه قد ضيّق من نطاق تعليق الاستفادة من العفو العام على اسقاط الحق الشخصي أو دفع أصل المبلغ المطالب به، والذي توسع فيه القانون القديم لسنة 2019. فقد أبقى مشروع القانون الجديد على حالة واحدة فقط يجب اسقاط الحق الشخصي أو دفع أصل المبلغ المطالب به أو المحكوم به للاستفادة من العفو العام وذلك في جرائم التسبب بالوفاة.

كما ألغى مشروع قانون العفو العام الجديد فكرة تخفيض العقوبة عن بعض الجرائم الجزائية في حال اسقاط الحق الشخصي، والتي تبناها القانون القديم لسنة 2019. فالعفو العام قائم على أساس الإعفاء التام من الجرائم وإزالة حالة الإجرام من أساسها واسقاط الدعاوى الجزائية القائمة والعقوبات الأصلية والتبعية المتعلقة بهذه الجرائم في مواجهة المخاطبين به. وعليه، فلا يستقيم الأمر أن يتم تضمين قانون العفو العام نصوصا تشريعية تقضي بتخفيض العقوبة فقط دون الإعفاء منها.

وفي جميع الأحوال، فإن لمجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب الولاية العامة على مشروع القانون الجديد، إذ يثبت لهم الحق الدستوري في إجراء التعديلات التشريعية المناسبة، وبالأخص فيما يتعلق بالجرائم المستثناة من العفو العام الجديد لسنة 2024.

أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة