النسخة الكاملة

الجسر البرّيّ بين الفِرْيَة و الوهم

الأحد-2024-03-03 01:16 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب - د.عبدالباسط محمد الزيود 

كل خبر يُذاع أو يُنْشر عُرْضَة للتصديق أو للتكذيب و لا يمكن الوصول إلى تلك النتيجة بلا إعمال العقل و المنطق و وجود النّيّة السليمة ، و من هذا المنطلق سأقارب موضوع " الجسر البرّيّ  " الذي رُفِعَ شعاراً لكثير من الفعاليات و المسيرات التي جابت بعض المدن و الساحات الأردنية صباح مساء ، و صدحت بها حناجر بعض النواب و السياسيين في المعارضة و النشطاء على مدى الأيام الماضية !.

طُرِحَ هذا الموضوع في باديء الأمر في إعلام العدو عبر موقع " والا" العبري و صحيفة " Jons" العبرية ، و السؤال الذي يثور بداية ، هو ما مدى مصداقية إعلام العدو  و لمن يوجّه الخبر ؟؛ أما المصداقية فهي في حدودها الدنيا إن لم  تكن معدومة ، و قد خبرنا ذلك في مرات و مرات سابقات  ، و منذ متى يستقي " الوطنيون " معلوماتهم من العدو ؟ !، إضافة إلى أن الجهتين العبريتين لم تُعلنا عن مصدريهما و هذا أول مسمار يُدَق في نعش المصداقية المفقودة ابتداءً ، و حتى ما أذاعته " BBC " فهو منقول عن هاتين الجهتين ؛ فضلاً عن أن  العديد من الوكالات و المواقع قد شككت بالخبر و عدّته مضللاً و دونكم الشابكة العنكبوتية لتروا صدق ما أقول !.

أما الجهة المقصودة بالخبر المزعوم فهي جمهور العدو في الداخل و ذلك لتطمينهم على أن دولتهم قادرة على تعويض النقص في البضائع و الخضروات و غيرها بعد أن منع  اليمنيون وصول البواخر و السفن إلى موانئ العدو ؛ و هذا أمر مفهوم في ظل دولة تخوض حرباً عدوانية بدت قصيرة للوهلة الأولى في أذهان قادتها ثم طالت لأسباب أولها الصمود الأسطوري الذي أبداه الفلسطينيون في غزة .

و الجمهور الآخر هو الجمهور الأردني على نحو التحديد و العربي بعامة ؛ كي تدبّ روح الشكّ ما بين الشعب و الدولة و أجهزتها الحكومية المختلفة ، و بدلاً من أن يقوم المعارضون من مختلف أطيافهم و بخاصة الإخوان من التحقق من الخبر و مصدره و واقعيته ، تلقف هؤلاء " الإشاعة " و تبنّوها  و أطلقوا لها العنان في الشارع؛ ذلك أنها تحقق لهم مقصداً مهماً عندهم و هو ضرب مصداقية الدولة و أجهزتها المختلفة و إضعاف صورتها أمام الشعب و إظهارها بمظهر المتعاون مع العدو ، ما أسماها من أهداف!!!.

و لكن إن عرضاً للموضوع على العقل و المنطق السليم سيقوم بتفنيد هذه " الفرْيَة " و يمنعنا من الوقوع في الوهنّ الذي صنعه أصحاب الصوت العالي و هنا أقتبس من مادة جديرة بالاحترام أدرجها الناشط السياسي نور شبيطة على صفحته ع فيس بوك و إن كانت بالعاميّة التي قصدها الناشط ؛ بغية وصولها لأكبر عدد من الناس ، يقول " 

طيب تعالوا شويّ نحاكم الموضوع بالمنطق: سفينة الشحن بتقدر تشيل من ٥٠٠ حاوية ل٢٤ ألف حاوية، وخلينا نقول إنه سفن الحاويات المستخدمة بتشيل ٥ آلاف حاوية. هاي السفينة ما قدرت تعبر مضيق باب المندب بسبب القرار الوطني اليمني، فنزّلت الخمس آلاف حاوية في دبيّ وصار لازم تحمّلهم بالشاحنات للأردن، وخلي كل شاحنة تشيل حاويتين، فاحنا بنحكي عن ألفين وخمسمئة شاحنة، كل شاحنة بدها تقطع مسافة أكثر من ٢٠٠٠ كيلومتر. عندك تصوّر قديش بيصير سعر السلعة اللي حقها دينار هيك؟ والله بتنط العشر دنانير عادي. 
ثم إنه قافلة الشاحنات هاي منظر ما راح يظل حدا في الأردن إلا وشافه، وتأمين الحماية له مستحيل لوجستيا خصوصا من الجمهور الأردني المعروف بتبنّيه القضية الفلسطينية "، و أضيف عليها الموقف الرسمي الذي يرفض ذلك و ينفيه جملة و تفصيلاً !.

و لكن هل غَفِل هؤلاء عن هذه المقاربة المنطقية للموضوع بكليّته ؟ و الجواب لا ، و لكن هذا هو فقه المعارضة السلبية عندهم إذ يُحيّدون المنطق و العقل مادام لا يخدمهم،  و يتركون للعاطفة و الوهم و النوايا الخبيثة العمل استغلالاً للشارع الذي يختطفونه بالصوت العالي ؛ و تبلغ السذاجة مبلغاً كبيراً في ذلك الفيديو الذي يلاحق رتلاً كبيراً للشاحنات ، لم تزد عن واحدة طبعاً ، و تحمل لوحة تركية ، على أنه دليل على الجسر البرّيّ ! ، و هنا أتساءل كما غيري هل هذا الأسلوب في التعامل مع الموضوع يخدم فلسطين و قضيتها العادلة ؟ لا بالطبع ، لأن قوة الأردن و منعته من جهة  و جبهته الداخلية القوية هي قوة لفلسطين و غزّة و لحقوقهم المشروعة و العكس ، لا قدّر  الله ، صحيح أيضاً .

أعتقد أن موقف المعارضة عامة و الإخوان خاصة ينطلق من عجز سياسي و فقدان للتوازن ؛ مرده صفريّة البرامجيّة في أدبياتها السياسية و الاقتصادية على نحو خاص ؛ فمعارضتها لأجل المعارضة فقط ؛ فهي دائمة الاحتجاج و تفتقر إلى الروح الإيجابية التي تتصف بها المعارضة الوطنية و التي تنبني على مرجعية وطنية غير عابرة للدول ، تحكم أفعالها و تصرفاتها و مشاركتها في الجهد السياسي ؛ تعظيماً للمشتركات التي تصبّ في مصلحة تعزيز قوة الدولة و منعتها ضد العاتيات و النوازل الكثيرة و بخاصة أن الوطن محاصر بالأزمات و الجوار غير المستقر !.