جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم عوني الداوود
نتنياهو لن يلتفت لتحذيرات العالم من ارتكاب مجزرة في «رفح» تضاف الى المجازر المستمرة التي يرتكبها جيشه العاجز عن تحقيق نصر منذ 7 اكتوبر، لأن العالم لم يقدر حتى اليوم على اجباره على وقف الحرب ولا حتى على ادخال ما يلزم من أساسيات الحياة، وليس أمامه الا مزيد من دماء الأبرياء يقدمها كـ«صورة نصر» للاسرائيليين، غير مكترث لمصير الرهائن.. لأن الحرب على غزّة أكثر من حرب، فهي عسكرية وسياسية ووجودية..و»ديموغرافية».
نعم.. إسرائيل تخوض حرب ديموغرافيا، وهي الهاجس الرئيس لها ومنذ سنوات، وفي جميع حروبها واعتداءاتها على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وكل شبر في الاراضي المحتلة.. وهي اليوم تمعن في ذلك بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها، وما تقوم به بعد مرور نحو 129 يوما «حرب إبادة» أسفرت حتى اليوم عن استشهاد واصابة أكثر من 85 ألفا ثلثاهم من الاطفال والنساء في غزة.
بحسب آخر الأرقام للجهازالمركزي للإحصاء الفلسطيني نهاية 2023 فإن عدد الاسرائيليين يبلغ نحو 7.2 مليون، وعدد الفلسطينيين نحو 7.3 يتوزعون على النحو التالي: ( 5.55 مليون في دولة فلسطين// 2.3 مليون في غزة، 3,25 مليون فـي الضفة الغربية)، وحوالي 1.75 مليون فلسطيني في أراضي 1948.
أما عدد الفلسطينيين اللاجئين فقط فهو بحسب أرقام وكالة «أونروا» يبلغ نحو 5.9 مليون نسمة، فلو أضيف هؤلاء فقط (كلاجئين ينتظرون حق العودة ) لكان الأمر كارثيا بالنسبة لاسرائيل، ومن هنا ندرك تصرفات الحكومة الاسرائيلية المتطرفة الأخيرة والمتمثلة في:
-الإمعان في حرب الابادة حتى تقدم لشعبها «صورة نصر انتقامي» لأن جميع الاحزاب الاسرائيلية -وان اختلفت بينها على من يحكم ومن يقرّر - الا أن جميعها يتنافس على من يقتل أكبر عدد من الفلسطينيين، وهذا يساعد في التقليل من أرق الديموغرافيا الذي يقضّ مضاجعهم.
-الضغط على الدول لوقف دعمها لوكالة «اونروا» التي تمثل لاسرائيل رعبا كبيرا لأن وجودها يزيد من خسارتها ديموغرافيا ويبقي قضية اللاجئين وحق العودة خطرا يهددها، ولذلك فهي تنتهز فرصة تعاطف العالم معها والدعم الامريكي منقطع النظير للاجهاز على أونروا والقضاء عليها.. ولمزيد من تسليط الضوء على «الحرب الديموغرافية» ومؤشراتها، وأبعادها لا بد من توضيح النقاط التالية:
1 -بالاضافة الى أعداد الفلسطينيين والاسرائيليين داخل الاراضي المحتلة المشار اليها اعلاه، فان وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى «الأونروا»، تزعج اسرائيل بأنها لا تحصر اللاجئين في (700 ألف) هم عدد اللاجئين المسجّلين عام 1948، بل منحت «صفة لاجئ» لأبناء وأحفاد اللاجئين، وبذلك بلغ تعدادهم اليوم نحو (5.9 مليون لاجئ).
2 -اسرائيل تعتبر أن عودة اللاجئين تمثل تهديدا ديموغرافيا للأغلبية اليهودية فيها، ولذلك فهي تدفع باتجاه دمج اللاجئين في أماكن إقامتهم، وبالأخص في دول الجوار.
3 -بحسب دراسة مطولة لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي عام 2020 حملت عنوان «70 عاما للأونروا: حان الوقت للإصلاحات الهيكلية والوظيفية» قدمت الدراسة 4 بدائل في مقدمتها تفكيك الأونروا ونقل ميزانيتها لحكومات الدول المضيفة للاجئين، اضافة لاقتراح بنقل صلاحيات الوكالة وميزانيتها وجميع ما يخصها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.. بحيث -أيضا- يتركز عمل المفوضية على نقل اللاجئين إلى دولة ثالثة بما يتيح لهم الحصول على حق الإقامة الدائمة والتجنس، وهو ما سيقود إلى سحب صفة اللاجئ من اللاجئين الفلسطينيين في حال تجنسهم بجنسية دول أخرى.
4 -بحسب تقارير ودراسات فان من مخططات «الحرب الديموغرافية» العمل الدؤوب للتضييق على الأونروا وتفكيك قضية اللاجئين تمهيدا للدفع باتجاه مفاوضات غير متوازنة تضغط على الفلسطينيين عبر وضعهم بين خيار: (القتل -التهجير- أو القبول بدولة مشوّهة مجردة من السلاح والسيادة، وتتنازل عن حق العودة لتفقد أحد أبرز مقومات القوة الديموغرافية).. وهذه الخيارات بالمناسبة يجاهر بها وزراء حكومة نتنياهو المتطرفة وفي مقدمتهم بن غفير وسموتريش.
**خلاصة القول فإن حربا أخرى هي الأهم بالنسبة لاسرائيل (ديموغرافية) تخوضها وتسعى من خلالها للقضاء على غزة قتلا وتهجيرا وتجويعا وتعطيشا سعيا لشطب 2.3 مليون يمثلون قرابة ثلث الفلسطينيين داخل الاراضي المحتلة، لكن هذه المعركة تخسرها أيضا واليوم قبل غد، لأن التقارير في المقابل تشير إلى مغادرة أكثر من نصف مليون اسرائيلي من حملة الجنسيات المزدوجة الى بلدانهم الأصلية منذ 7 اكتوبر، من المرجح أنهم لن يعودوا- بحسب صحف اسرائيلية- لأن 7 اكتوبر أثبتت أن حكومتهم وجيشهم وأجهزتهم الأمنية غير قادرة على حمايتهم وتوفير الأمن لهم..ولذلك فمعركة «الديموغرافيا» محسومة للفلسطينيين الشامخين فوق الركام رافضين مغادرة بيوتهم المدمّرة مهما كان الثمن.
بقي أن أشير بأن (20 ألف) حالة ولادة تم تسجيلها في غزة في الشهور الثلاثة الاولى منذ 7 اكتوبر الماضي-بحسب اليونيسيف التي قالت المتحدثة باسمها:
«هناك طفل يولد كل عشر دقائق وسط هذه الحرب المروعة».. إنه شعب الجبارين يا سادة.