جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
هناك ما هو أكثر تعباً من الكراسي العالية. كرسي العناق أشد ألماً وأكثر تعباً منها. هو بوصلة تؤشّر إلى أين انحدرت الإنسانية في جفافها العاطفي، وفي تصحر المشاعر وبرودها. فهل ثمة ألم أكبر من أن يكون الإنسان وحيداً، حتى وهو في صخب الناس، وألا ينال عناقاً واحداً حتى في يوم العناق العالمي.
سيمر يوم العناق العالمي الذي يحتفل به اليوم في بعض دول العالم دون أن يلتف الناس إلى أهمية الاحتضان والعناق، وإلى فيض المشاعر الوثيرة التي يناله الواحد حين يحظى بعناق حقيقي. فالشعوب المغلفة بالتكتم العاطفي والتستر على المشاعر الإيجابية؛ تسقط دوما في مستنقع تعاسة لا متناه.
حينما كتبت قبل أشهر في هذا المكان عن أن الطفل حسب رأي بعض علماء النفس يحتاج إلى 24 ضمة حضن في اليوم، بعث لي أحدهم قائلاً: يا رجل أي أنا ما (بعطبطش) حالي أكثر من مرة باليوم، كيف بدك أعبط واحد من أولادي 24 مرة. الطريف أن إبني الشاب وقد قرأ المقال، ما زال يطالبني يومياً بالنصاب الكامل من العناق المقرون بقول: إني أحبه، وما زلت أحبه، وأنه المفضل لدي.
صاحب فكرة يوم العناق رجل أمريكي قرر في الحادي والعشرين من يناير عام 1986 تشجيع الناس على معانقة بعضهم، حتى لو لم تكن بينهم معرفة مسبقة. فهو ينظم ضربات القلب، وضغط الدم، ويخفف من الإحباط، ويحث على الاسترخاء. فعند الاحتضان يفرز المخ هرمون «أوكسيتوسين» الذي يساهم في الشعور بالأمان، حيث تكفي سبع دقائق من العناق للإحساس بنشوة السعادة.
العناق لا يقتصر فقط على العلاقات العاطفية. فهو فعل صحي لجسد الإنسان. ولهذا قامت شركة أثاث كبرى عالمية بتصميم كرسي العناق بذراعين صوفيتين وثيرتين يمنح الشخص عناقاً مجانياً كلما أراد هذا. هذه الشركة أدركت كم أصبحنا وحيدين في هذا العالم. وكم أصبحنا كراسي على قيد الابتعاد.
لا أدعو إلى عناق مجاني في الشوارع والساحات مع أنه ليس سيئاً، بل أدعو إلى اظهار المشاهر الإيجابية لبعضنا. أن ننظر في عيون بعضنا دائما، أن نبث ابتسامة لكل من نرى. والأهم ألا نتوانى عن تبادل العناقات مع أحبتنا وأهلنا وأبنائنا وأصدقائنا وزملائنا. دمتم بدفء وسعادة.
هذا اليوم سيكون مهزلة بائسة خبيثة إن لم يلتفت العالم إلى غزة ويحتضنوا جرحها وبؤسها. فهل ثمة وجع يفوق وجعها ووحدتها. لكنَّ عالمنا منافقٌ وليس سوياً حين يدع الناس يموتون في ركامِ غزة بكل هذه الفظاعة والقسوة والتخاذل.
نعانق أهلنا في غزة بكل قلوبنا وأرواحنا وأفكارنا ونشعر بحرقة ألم التقصير.