جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم عامر طهبوب
«حاييم ليفنسون»؛ الكاتب الإسرائيلي في صحيفة «هآرتس» الذي وصف الحرب على غزة بأنها عملية «إسقاط السراويل»، بدلاً من «السيوف الحديدية»، قال بالأمس إنه من الضروري للشعب الإسرائيلي الاستماع إلى الناطق باسم الجيش، حتى يشعر بالانتصار، وتلك سخرية معبرة عن ما يشعره كل مستمع إلى خطاب الجيش، بالمقارنة مع ما تعرضه المقاومة من صور، وما تدليه من تصريحات موثقة بالصوت والصورة.
ويعبر ذلك عن فشل ذريع للجيش الغازي في مختلف أرجاء القطاع، كلما تلقى ضربة موجعة بين صفوفه، استنجد بالطائرات لتقصف أهدافاً مدنية للتعويض عن لذته المفقودة على الأرض، بات واضحاً أن إسرائيل ليست هي من يفرض معادلات النصر، والخسارة، والسيطرة، والتحكم، والتفوق، فالمقاومة أجبرت المحتل على خوض المعركة على طريقتها البدائية في المواجهة وجهاً لوجه، وليس بفرض سيطرة عن طريق القصف الجوي منفرداً.
بات في حكم المؤكد أن خسائر الجيش الغازي جسيمة وموجعة، وتعبر عنها إسرائيل بقولها إنها تخوض معارك ضارية، وصعبة، ومؤلمة، ما زالت تتكبد الخسائر في الأرواح والمعدات يومياً ودون هوادة، وبأعداد تزيد عن معدلات شهدناها في بدايات الحرب البرية، والاستمرار في الحرب يعني المزيد من الخسائر دون تحقيق جدوى في الجانب العسكري، ودون تحرير أسير واحد.
ولذلك قلت في الأسبوع الماضي إن إسرائيل في ورطة إن هي استمرت، وفي ورطة إن هي توقفت، وربما يكون «حاييم ليفنسون» قد رأى هذه الحقيقة منذ بدايات الحرب عندما قال إن ما تفعله إسرائيل الآن لا جدوى له، لأنها خسرت الحرب منذ البداية، وبرأيي أن المقاومة نجحت ليس فقط في كسر شوكة الجيش ونخبه العسكرية، بل نجحت في إفقاد الجيش ثقته بنفسه، وثقته بقدرته على تحقيق الأهداف في القضاء على حركتي حماس والجهاد، وفي استعادة الأسرى أحياء «إلى بيوتهم» كما يردد كبارهم وصغارهم.
نتنياهو مخنوق، ومضغوط، ومأزوم، وفاقد للبوصلة، ويصر على حمل «بطيختين»؛ القضاء على حماس، وتحرير الأسرى عن طريق الحرب، وصاحب «البطيختين» تعبان. عائلات القتلى من الجنود، تنضم إلى عائلات الأسرى في المطالبة بوقف الحرب، وعقد صفقة تبادل تقوم على أساس الكل مقابل الكل، وسترون ذلك في شوارع تل أبيب السبت المقبل، والمقاومة صامدة صلبة في رفضها أي نقاش حول الأسرى قبل وقف إطلاق النار، وعدم العودة لقبول أي هدنة إنسانية، فلم تعد الهدن تشفي الجريح، ولن تعيد أكثر من عشرين ألف شهيد، ولن تعيد بناء بيت واحد من بين مئات آلاف بيوت هدمت على رؤوس أهلها، ولن تجلب شاحنات المساعدات الحياة لأهل غزة بعد ما وصل الأمر إلى نقطة التقى فيها الأحياء مع الأموات.
إسرائيل تنتصر في التصريحات، والعنجهية أمام عدسات الكاميرا، وقدرة قادتها المهولة في صناعة الكذب، وإنكار الهزيمة في انتظار تحقيق النصر، ولكن النصر بعيد، انكسرت الهيبة، والثقة، وسقط التفوق العسكري التكنولوجي الذي أجبر على العودة إلى أساليب تقليدية في القتال وجهاً لوجه، قتال ينتصر فيه «الجبابرة» من أهل الأرض الذين يضعون أرواحهم على أكفهم، ويتقدمون للمجابهة من مسافة صفر، المسافة التي لم يعهدها جيش إسرائيل من قبل في كل معاركه، أو أنه خسر فيها خسائر كبيرة، كما في معركة الكرامة التي هزم فيها الجيش العربي الجيش الغازي شر هزيمة، وكما في قلعة الشقيف التي لقن فيها الفدائي الفلسطيني لواء «غولاني» درساً يشبه الدرس الذي تتلقاه نخب «جولاني» و»جيفعاتي» في غزة هذه الأيام.
هذا نزال غير مسبوق منذ قيام الكيان المحتل، لن يؤدي إلى تحرير الأرض، لكنه شكل حجر أساس على طريق التحرير، ولن تنعم بإسرائيل بالسلام، ولن تكون قادرة على توفير الأمن لشعبها، طالما أن الشعب الفلسطيني لم يحصل على حقه في أرضه، وتقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ونحن على أبواب نصر، تتوقف فيه الحرب، وتُبيّض فيه السجون، ويكسر الحصار عن غزة، ولكن الأهم من كل ذلك، قدرة الفصائل والسلطة الفلسطينية على إنجاز مشروع نضالي جديد ينهي حالة الانقسام المقيت، حتى لا تستمر إسرائيل في استثماره لرفض أي مبادرة في اتجاه إقامة دولة فلسطينية.