جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم حسين الرواشدة
تشير بعض التسريبات الرسمية إلى أن الأردن بدأ يفكر جديا بفتح قنوات الاتصال مع طهران، تمهيدا لإعادة العلاقات بينهما، صحيح، خلال العام الحالي بدأت سلسلة من اللقاءات بين البلدين، كما دخل بعض الوسطاء ( أبرزهم رئيس الوزراء العراقي، محمد السوداني) على هذا الخط، لكن هذه المحاولات تعطلت ولم يكتب لها النجاح، الأسباب عديدة، أهمها عدم استجابة الطرف الإيراني لأي خطوة في سياق المطالب الأردنية، الأمنية تحديدا، المتعلقة بحدودنا الشمالية، مع ذلك، من المتوقع، بتقديري، ان تفتح استحقاقاته ما بعد الحرب على غزة الباب مجددا لاستئناف العلاقة، في سياق تنويع الخيارات السياسية الأردنية، والتكيف مع استحقاقات المرحلة القادمة.
هذا يعني مسألتين، الأولى : عمان تدرك أن إيران لا تشكل أي تهديد مباشر للأمن الوطني الأردني، وقد حان الوقت لاستقبال الرسائل التي صدرت عنها أكثر من مرة، باتجاه تحسين العلاقات، أوإعادة الدفء إليها، يأتي ذلك بالتزامن مع سياق عربي، خليجي تحديدا، وربما أمريكي لاحقا، يصب باتجاه تسوية الخلافات مع طهران.
المسألة الثانية : وجود مصلحة أردنية لتلطيف الأجواء مع طهران، سواء لضمان الأمن على الحدود الشمالية، حيث تتواجد بعض المليشيات المحسوبة على إيران بالجنوب السوري، خاصة بعد تصاعد المواجهات العسكرية مع تجار المخدرات، أو لتسهيل مهمة الدبلوماسية الأردنية بالعراق، حيث شكلت بعض الشخصيات السياسية، والمرجعيات الدينية العراقية المحسوبة على إيران، «مصدات» أمام الحكومة العراقية للانفتاح -اقتصاديا- على عمان.
قد تبدو المعادلة أعمق من ذلك، فمنذ عشرين عاما، على الأقل، تراوحت علاقة البلدين بين مد وجزر، الملاحظة اللافتة هي أن فتح قنوات الاتصال ارتبط، غالبا، بوجود أزمة، سواء أكانت سياسية أو أمنية، متعلقة بالأردن أو بحلفائها. نتذكر، هنا، أن الملك عبد الله زار طهران في (سبتمبر) 2003 والتقى الرئيس خاتمي، آنذاك، على خلفية سلسلة من الأزمات، التي اتهم فيها الأردن إيران بمحاولات الإخلال بأمنه الداخلي، لكن بالمجمل ظلت العلاقة الأردنية الإيرانية، على امتداد السنوات الماضية، داخل «الثلاجة» لم تخرج منها الا في أوقات محددة، وقصيرة جدا.
السؤال، الآن، كيف يمكن أن نتعامل مع إيران، أردنيا، (وعربيا أيضا)، وهل تلزمنا العلاقة معها أم لا؟ اتفهم، بالطبع، المخاوف التي تنتاب المواطن الأردني (والعربي عموما) من التمدد الإيراني، ومن تدخلات طهران في سورية والعراق واليمن ولبنان وغيرها. لكن بعيدا عن هذه المخاوف المشروعة، ومع الرفض للسلوك الإيراني غير المقبول، أعتقد اننا لم نفهم إيران كما يجب، كما اننا لم نتعامل معها بمنطق «السياسة» التي تتقدم فيها المصالح على المشاعر والهواجس، والأولويات والوقائع على الأمنيات والرغبات.
إيران اليوم ليست «الثورة» التي فجرها الخميني، وإن كانت مناخات الثورة ما زالت حاضرة في شوارع كل المدن الإيراينة، وربما في الخطابات التي تحفل بها وسائل الإعلام، ويرددها بعض الخطباء والمسؤولين هناك، إيران أصبحت «دولة»، تتحرك بأنفاس «الإمبراطورية»، ومسألة تصدير الثورة انتهت إلى غير رجعة، واستعيض عنها بتصدير الدولة و»القوة» والنفوذ، وفرض النموذج المدعوم بالانجاز بكافة المجالات، رغم الحصار المفروض عليها منذ عقود طويلة.
لا بد أن نفهم هذه الحقيقة حين ندقق بأية خيارات على صعيد علاقاتنا مع طهران، ذلك أن اختزال طهران في زاوية العداء والخصومة التاريخية، أو زاوية التهديد، أوحتى في إطار المذهبية وإذكاء الصراع الشيعي السني، دينيا أو سياسيا، هذا الاختزال أصبح بحاجة لإعادة نظر.
هنا يبدو خيار التفاهم مع طهران، عربيا وأردنيا، واجب الوقت بامتياز، ليس، فقط، من باب «التكيف» مع ميزان القوى الذي تغير، وسيتغير اكثر بعد انتهاء العدوان على غزة، وانما لان هذه المنطقة لا يمكن أن تستقر دون ان يتفاهم «الجيران» التاريخيون على المشتركات التي تمكنهم من العيش معا بأمن واستقرار، وأن يعترف الجميع أنه لا يجوز لقومية أو دولة ان تستقوي على غيرها، كما انه لا يمكن ان نظل أسرى لجراحات التاريخ وصراعات الواقع، لأننا عندئذ سندفن المستقبل، ومعه الأجيال القادمة، في مستنقع التاريخ والواقع المظلم.