جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم محمد خرّوب
نادرة هي المرات التي «إضطر» الرئيس الأميركي بايدن فيها, لكتابة مقالات «رأي» في الصحف الأميركية. إلا أن مقالته (قبل يومين) في الواشنطن بوست, أثارت الكثير من التساؤلات المحمولة على جدل وتفسيرات متعددة. خاصة المساحة «الطويلة» التي خصصها لشيطنة حركة حماس, وربطها مع شيطنة الرئيس الروسي/بوتين. الأمر الذي يمكن قراءته سياسياً، مثابة «زجّ» غير مُوفق, بين ما يحدث الآن في قطاع غزة من إبادة جماعية تتولى آلة القتل الصهيواميركية تنفيذها، وتوفير إدارة بايدن الدعم المفتوح لهذه الجرائم الفاشية الصهيونية ضد الإنسانية، وبين حال الفشل المُتدحرج حدود الهزيمة الوشيكة لنظام زيلنسكي, الذي راهن عليه الغرب الاستعماري، للحؤول دون انهيار نظام «القطب الواحد» الذي هيمنت فيه ومن خلاله الولايات المتحدة على العالم بعد انتهاء الحرب الباردة.
وإذا كانت مقالة بايدن التي يبدو أن فريقاً كبيراً (وليس كاتب خطب الرئيس وحده), قد أشرف على كتابتها وتنقيح وضبط مفرداتها ومصطلحاتها، قد كشفت مساعي إدارة بايدن لاستدراك «حَدثيْن» تأسيسين (إن صح القول بـ«حذر شديد», خاصة في ما يتعلق بالحرب الصهيواميركية على غزة) وتأثيراتهما «الخطيرة» المتوقعة, على مكانة الولايات المتحدة ودورها في عالم متعدد الأقطاب آخذ بالتشكل والبروز، فإن محاولة بايدن الإيحاء بأن بلاده ما تزال قادرة, على «منع أولئك الذين لا يُشاركوننا قِيمنا بجر العالم الى مكان أكثر خطورة وإنقساماً»، تبدو محاولة محكومة بالفشل, ليس فقط في أن المعسكر الغربي بقيادته الأميركية يوشك على «التسليم» بأن «مشروعه» في أوكرانيا قد وصل إلى طريق مسدود, وأن كان بايدن زعم في مقالته، أن العالم (..) يتطلّع إلينا لحل مشاكل عصرنا، وهذا واجب القيادة, مُضيفاً أن أميركا ستتولى القيادة، لأننا – واصلَ – إذا ابتعدنا عن تحدّيات اليوم، فـ«إن خطر الصراع قد ينتشر وسوف ترتفع تكاليف التصدي له... لن نسمح بحدوث ذلك» قال في حماسة مشكوك فيها.
ولم ينسَ بايدن بالطبع، أن يعيد في مقالته التي خلت من أي جديد، كان يمكن أن يستعيد فيها بعض ما لحق بسمعة أميركا من أضرار, وشكوك مُتعاظمة في صدقية دبلوماسيتها والشعارات البرَّاقة التي ما فتئت ترفعها, عن حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية وغيرها, مما تبرع ماكينة البروباغندا الصهيواميركية في الترويج لها, دونما قدرة ملموسة على الانسجام بين الشعارات اللامعة والواقع الميداني البائس. كما حدث في العراق وافغانستان وفيتنام وما يحدث الآن في غزة, بل وطوال 75 عاماً من نكبة الشعب الفلسطيني.
كما كرَّر بايدن أُسطوانته الصهيواميركية المعروفة حول الوقوف الأميركي «الثابت», إلى جانب إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها. رابطاً بين هجوم حماس التي اسمته الحركة الفلسطينية «طوفان الأقصى» وبين المحرقة/الهولوكوست, في تكريس لمصطلح جديد يسمى «مذبحة 7 أكتوبر", مُعتبراً أنها (أسوأ مذبحة تُرتكب ضد «الشعب اليهودي» في يوم واحد من المحرقة).
ثم ما لبث بايدن بعد أن اطال الحديث عن «عدالة» موقف إسرائيل وحربها الاجرامية ضد أهالي ومشافي ومدارس ومساجد وكنائس ومنازل والبنى التحتية للقطاع، ان أعاد «التمسّك» بموقفه المتواطئ مع حكومة الفاشيين في تل أبيب, رافضاً وقف اطلاق النار في غزة, مُعللاً ذلك بالقول: «ما دامت حماس مُتمسكة بأيديولوجية التدمير, فإن وقف اطلاق النار ليس مُلزماً، وبالنسبة لأعضاء حماس – أضاف بايدن – فإن كل وقف لاطلاق النار «يُمثل وقفاً يستغلونه لإعادة بناء مخزونهم من الصواريخ وإعادة تمركز المقاتلين، وبدء عمليات القتل من خلال مهاجمة الأبرياء مرة أخرى». فهل هكذا يقول الرئيس الذي يزعم أن أميركا هي التي ستتولى القيادة لحل مشاكل عصرنا؟, أم أنه يريد تعميق «المآسي لتكبُر» حتى يتحقق التقدم؟.
في السطر الأخير بعد كل ما ورد في مقالته, عاد بايدن مرة أخرى لاطلاق الشعارات والوعود التي بذلها والتي لم ينفذ أيّاً منها, عن «حق الشعب الفلسطيني في دولة خاصة به, ومستقبلاً حالياً من حماس», مُدعياً.. (وهو الذي يرفض وقف إطلاق النار) انه «يشعر بحزن شديد إزاء الصور التي تظهر من غزة ومقتل عدة آلاف من المدنيين، بما في ذلك الأطفال. أطفال فلسطين يبكون على والديهم المفقودين. يقوم الآباء بكتابة اسم طفلهم على أيديهم أو أرجلهم, حتى يمكن التعرّف عليهم في حالة حدوث الأسوأ. يحاول - واصلَ بايدن مرثيته المزيفة - الممرضون والأطباء الفلسطينيون يائسين إنقاذ كل حياة ثمينة يمكنهم إنقاذها، بموارد قليلة أو معدومة. إن كل حياة فلسطينية بريئة تُفقد هي مأساة تمزق العائلات والمجتمعات».
فكيف تتطابق الآقوال المغسولة هذه مع الجرائم الصهيوأميركية في غزة؟.
** إستدراك:
قال بايدن في مقالته: بينما نسعى جاهدين من أجل السلام، «ينبغي إعادة توحيد غزة والضفة الغربية في ظل هيكل حكم واحد، في نهاية المطاف في ظل سلطة فلسطينية متجددة، بينما نعمل جميعاً نحو حل الدولتين». أما ردّ نتنياهو على قول بايدن فكان كالتالي: «السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي, غير قادرة على تحمل المسؤولية في غزة»، مضيفاً «بعد أن قاتلنا وفعلنا كل هذا كيف يمكننا تسليمها لها»؟.