جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم حسين الرواشدة
كيف يتعامل الكيان المحتل مع التصعيد الأردني، غير المسبوق، تجاه عدوانه على غزة ؟ ما رشح من خطابه السياسي والإعلامي يشير إلى مسارين، الأول : تمرير ردود ورسائل ساخرة، ولكنها خبيثة، تستهدف الحفاظ على العلاقة مع الأردن في الظاهر، فيما تبطن الانتقام والرد بالأفعال دون أن تعلن عن ذلك، الثاني : التلويح بفتح «بازار التهجير «، من خلال إشهار خرائط ودعوات للفلسطينيين بالضفة الغربية، لحثهم على المغادرة، في إشارة إلى اقتراب موعد المواجهة مع الأردن من جهة، ومحاولة زعزعة الجبهة الداخلية الأردنية من جهة أخرى.
لكي نفهم أكثر، أُسجل ملاحظتين، الأولى أن الأردن بعد يومين، فقط، من 7 أكتوبر، وضع تقدير موقف تَصدّره بند أساسي، وهو أن هذه الحرب تهدد المصالح الأردنية، وبالتالي فإن مواجهتها، أردنيا، مفتوحة على كل الخيارات، لكن بشكل مدروس ومتدرج، ابتداء من إعادة النظر بالتحالفات والاتفاقيات والمعاهدات، وصولا إلى اعتبار اي تهديد مباشر للأردن «إعلان الحرب «، ما يعني أن المرجعيات الأردنية أدركت، مبكرا، حجم الحدث وتداعياته، وما تفكر به تل أبيب تجاه الأردن، وهذا يفسر تصاعد التصريحات الخشنة التي استخدمتها الدبلوماسية الأردنية، كما يفسر تفرد الأردن، عن غيره من الأقطار العربية، في مواقفه تجاه العدوان.
الملاحظة الثانية : بدأ الأردن، على الفور، باستخدام رصيده السياسي الدولي، لتوفير أرضية صلبة، سياسيا واقتصاديا، تمكنه من إدارة معركته مع الكيان المحتل، وقد استطاع أن يحقق إنجازات واختراقات في هذا المجال، كما بدأ بترتيب الجبهة الداخلية وقيادتها من خلال خلق حالة انسجام بين الموقفين الرسمي والشعبي، هذا الخطان كانا ضروريين لاستباق أية محاولات، من قبل تل أبيب، للعبث بالداخل الأردني، اقتصاديا أو اجتماعيا، مع العلم أن لدى إدارات الدولة المعنية وقائع تشير إلى أن هذه المحاولات حصلت، وما تزال مستمرة.
وفيما تشير المعلومات إلى أن تل أبيب حاولت الدخول على خط العلاقات الأردنية مع واشنطن، وغيرها من العواصم الغربية، لممارسة الضغط على عمان، باتجاه «تبريد « مواقفها وتصريحاتها التي أثارت غضب المسؤولين في الكيان المحتل، وهذا ما حصل فعلا، إلا أن هذه الضغوطات فشلت، حيث أبلغت واشنطن عمان أنها (تتفهم) المواقف الأردنية، وإن كانت تختلف معها، لكن هذا (التفهم)، حسب التقديرات الأردنية، يبدو مؤقتا لارتباطه ببقاء إدارة بايدن، فيما لا يمكن ضمان ذلك مستقبلا، خاصة إذا فاز الجمهوريون بالانتخابات بعد أقل من عام.
الآن، ينصبُّ اهتمام الأردن، تجاه الضفة الغربية، حيث تشير المعلومات إلى أن «الانفجار» فيها أصبح قريبا، وأن تل أبيب تدفع بهذا الاتجاه، وجادة في تنفيذه، لكنها لم تحسم توقيته بعد، نظرا لعدم قدرتها على تقديم صورة انتصار في غزة من جهة، ثم إفشال مخططها، حتى الآن، لتهجير أهل غزة، صحيح الأردن تحرك على أكثر من مستوى، سياسي وإنساني، إلى الضفة الغربية، لإجهاض هذا الانفجار الذي تفكر به إسرائيل بهدف الترانسفير، واعتبر ذلك بمثابة «إعلان حرب «، ما يعني أن هذا الملف الذي يشكل اكبر تهديد للأردن مازال حاضرا، وأن حسمه مرتبط بنتائج الحرب القائمة، وتداعياتها، واستحقاقاتها غير المعروفة حتى الآن.
حسابات «القلق الأردني» من الحرب وما بعدها، تبدو مشروعة ومفهومه في سياقات عديدة ومعقدة، منها انكشاف مخططات المحتل، بعد أن توفرت له فرصة تاريخية لتصفية القضية الفلسطينية، دون أي حساب لأحد، ومنها غياب الموقف العربي الموحد، وانشغال العواصم العربية عن القضية الفلسطينية، مما افقد الأردن الرديف السياسي، وجعله وحيدا في المواجهة، ومنها اتساع التصدعات داخل الصف الفلسطيني، وعدم قدرة السلطة على ضبط إيقاع حركة الفلسطينيين ضد المحتل، في إطار موحد، يرتقي إلى عدالة حقوقهم وتضحياتهم، وحجم كارثة العدوان ضدهم أيضا، هذه السياقات وغيرها مما يتعلق بالداخل الأردني، والمتغيرات الإقليمية والدولية، تضع بلدنا في مرمى التهديد والخطر، وهذا ما يستلزم الاستعداد ومزيدا من الحذر.