جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم المهندس عبد الرحيم البقاعي
في أعقاب ستة أسابيع من القصف الوحشي والموت والدمار في قطاع غزة، يقف العالم شاهداً بصمت على إبادة تنفذها إسرائيل بدعم وتواطؤ غربي مريع، وهو مشهد سيلقي بظلاله المروعة على ضمير العالم لمنطقة تعاني من العواقب المضطربة للصراع
ستة أسابيع شهدت جرائم حرب متكررة ، وبشعة ، وبدون توقف، وللأسف لم تكن تلك الجرائم التي يمارسها جيش الاحتلال فقط ، بل أيضاً في جريمة صمت العالم كله أثناء حدوث هذه الجرائم ففي الوقت الذي يجب أن تكون فيه مبادئ العمل الإنساني وحماية الفئات السكانية الضعيفة ذات أهمية قصوى، فإن فشل المنظمات الدولية في التدخل بشكل حازم وحماية الأرواح يسلط الضوء على فجوة صارخة في المسؤولية الجماعية لدعم أبسط المبادئ الإنسانية.
غزة اليوم تقف شاهدة على العالم كله وتظهر حقيقة مؤسفة للغاية حيث تظل منظمات الإغاثة الدولية سيما المنظمات الطبية المكلفة بحماية قدسية الحياة البشرية ورفاهيته متجاهلة بشكل واضح، فقد فشل الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر المحلي وحتى نجمة داوود الحمراء الى جانب منظمة الصحة العالمية والامم المتحدة في حماية المدنيين، بل حتى انها فشلت في تقديم الاسعاف الى المصابين والبحث عن المفقودين تحت الركام نتيجة وحشية وهمجية القصف والاعتداء العسكري السافر الذي لم يبق للغزيين الا خيارين : إما الموت قصفاً بالطائرات أو الموت قصفاً بالمدفعية.
لقد فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين في هذه الحرب، وفشل في حماية قواعد الحرب الدولية ، وفشل في منع جرائم الحرب التي يجب توثيقها ومحاسبة القائمين عليها ، فمنذ أسابيع نشهد استهداف جيش الاحتلال الاسرائيلي لكافة المستشفيات في قطاع غزة ، وتابعنا بأسف ورهبة الاستهداف المتعمد والوحشي والفظيع للمستشفى المعمداني ، ومجمع الشفاء الطبي ، ومستشفى الرنتيسي، والمستشفى الاندونيسي ، واطلاق النار المتعمد على الكوادر الطبية الاسعافية على بوابات المستشفى الميداني الاردني في غزة. غير أن الأمر الأكثر ريبة هو أنه حتى في مواجهة الأدلة الدامغة التي تؤكد أن بعض هذه المرافق الطبية أصبحت خارج الخدمة بسبب النقص الحاد في الوقود والأدوية الأساسية ومن ثم تحولت لثكنات جيش الاحتلال، ظل المجتمع الدولي صامتا بل ومؤيدا في كثير من الأحيان لاستهداف هذه المؤسسات الحيوية التي كانت تشكل شريان الحياة لعدد لا يحصى من المدنيين الضعفاء،.
ولعل الجريمة الأفظع هي في ملاحقة النازحين الآمنين المستسلمين لمغادرة منازلهم وأرضهم الى ما تم الاعلان عنها بأنها مناطق آمنة ، لتلاحقهم آلة الغدر الاسرائيلية العسكرية وتقصفهم وتقتلهم في ساحات المستشفيات وفي الطرق الامنة التي تم الاعلان عنها بشكل كاذب ، وحتى في مدارس وكالة الانروا التابعة للامم المتحدة.
أتساءل كيف سنقنع الناس، على المستويين الإقليمي والعالمي، أن تجاهل المنظمات الدولية للاعتداءات الصارخة على القيم والمبادئ الإنسانية لم يكن تواطأ خاصة عندما نقارن موقفها مع صراعات أخرى مثل الحرب الروسية الأوكرانية، لذا من الأهمية بمكان التأكيد على ضرورة مساءلة هذه المنظمات عن أفعالها، على غرار الطريقة التي يتم بها فحص الصراعات الأخرى. وشاهدنا كيف استمات الغرب في الدفاع عن قضية حماية المدنيين واحترام قواعد الاشتباك في أوكرانيا وفعل العكس في غزة لكن هذا الأمر يجب ان يكون غير مقبولا مع المنظمات التي ترفع شعار المبادئ الإنسانية.
غزة اليوم تحتاج لموقف دولي حازم وقاطع بوقف الحرب فوراً ، وتحتاج الى استجابة دولية سريعة وكبيرة لامدادها بالاحتياجات الاساسية للحياة : الماء والدواء والغذاء والوقود ، وتحتاج الى امدادات طبية هائلة جراء الأذى الكبير الذي لحق بالقطاع الطبي، وتحتاج قبل كل شيئ الى معالجة جذرية لهذا الحصار الشامل المفروض عليها منذ سنوات طويلة والذي أدى الى عواقب إنسانية وخيمة على سكان القطاع، وكان غياب إدانات عالمية صريحة يشير إلى وجود فجوة في معالجة المعاناة والحرمان طويل الأمد الذي يعاني منه سكان غزة، مما يؤدي إلى إدامة الوضع الذي يبدو أنه يتحدى مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية.
ومن أجل تعزيز استجابة عالمية أكثر عدلاً وإنصافًا، من الضروري أن يتعامل المجتمع الدولي مع الحصار الذي طال أمده على غزة باعتباره قضية ملحة لحقوق الإنسان، وأن يدين الأعمال التي قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب. وهذا أمر ضروري جدا لدعم مبادئ العدالة وحقوق الإنسان على نطاق عالمي، فالعواقب الوخيمة لمثل هذه الإجراءات يتردد صداها إلى ما هو أبعد من الأزمة المباشرة، مما يؤكد الحاجة الملحة إلى استجابة قوية ومنسقة لحماية قدسية الحياة.