جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
هذا الزمن المتسارع، يجعل الواحد منا لا يشعر بإيقاع حياته ونغماتها وهمساتها، ويجعله لا يتمعن في تفاصيلها وحيثياتها ودقائقها. زمن عجول لا يتركنا نتهجى كامل حروف حياتنا وسطورها، حتى صرنا نكبر فجأة، ويباغتنا الشيب موخطاً مفارقنا، فالسرعة أخذتنا حتى من لحظات كان الأولى بنا أن نحس فيها عبر عروق أيامنا. فمع كل ما منحته لنا هذه السرعة، من توفير للوقت والجهد وسعة الاطلاع، ما زلنا ندعي أن لا وقت لدينا، وأننا غارقون في بحر الحياة المتلاطم، حتى شوشة رؤوسنا!.
بروفيسور عجوز وقف أمام تلاميذه ومعه عبوة زجاجية فارغة، أخذ يملؤها بكرات حديدية، بحجم كرة الطاولة، ثم سأل: هل هذه الزجاجة التي بين يدي ممتلئة أم فارغة؟!، فقالوا: طبعاً ممتلئة، فما كان منه إلا أن أخذ صندوقاً صغيراً من الحصى، وسكبه في الزجاجة، وبدأ يرجها حتى تخللت الحصى كل المسامات والفراغات بين الكرات الحديدية، وعاود سؤالهم: هل هذه الزجاجة مملؤة أم فارغة؟!.
اتفق التلاميذ أن الزجاجة أصبحت ممتلئة هذه المرة، فأخرج صندوقا صغيرا من الرمل الناعم، وسكبه في الزجاجة وأخذ يرجها حتى ملأ الرمل كل المسامات التي بين الكرات الحديدية وحبات الحصى، ولم يبق هناك فراغ يذكر، فسألهم: هل هي ممتلئة الآن؟؟!، فأجابوا بالإيجاب، فما كان منه إلا أن سكب فنجان قهوة فوق رمل الزجاجة!!.
قال الأستاذ: أريدكم أن تتعلموا من هذه التجربة، فهي تماماً مثل حياتكم!!، فالزجاجة مثل حياة كل واحد منكم، والكرات الحديدية هي تلك الأشياء الضرورية: دينك وقيمك وصحتك وعائلتك، بحيث لو أنك فقدت كل شيء وبقيت هذه الأشياء، فستبقى حياتك ممتلئة وثابتة أيضاً، أما الحصى فتمثل الأشياء المهمة: وظيفتك وبيتك وسيارتك، أما الرمل فهو يمثل بقية الأشياء البسيطة، والهامشية، والجانبية، فلو أنك وضعت الرمل أولاً في الزجاجة؛ فلن يتبقى مكان للحصى أو للكرات، وهذا يسري على حياتك كلها، فلو تركت وقتك وجهدك لتوافه الأمور، فلن يبقى لديك متسع للأمور الهامة. الحياة ترتيب أولويات.
أحد التلاميذ وقف متعجباً عما تمثله القهوة التي سكبها، فابتسم الأستاذ: أنا سعيد لأنك سألت هذا، فأنا أضفت القهوة فقط؛ لأوضح لكم بأنه مهما كانت حياتكم ممتلئة ومكتظة ومحتشدة بالأشياء وأنصاف الأشياء وأرباعها، فسيبقى هناك دائما متسع من الوقت لارتشاف فنجان قهوة مع من تحبون.