جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم عامر طهبوب
ليست الدعوة الإسرائيلية إلى تهجير سكان غزة إلى سيناء هي الأولى، وليست الدعوة الألمانية لتدويل غزة اليوم هي الأولى، والتاريخ يشهد على هبة آذار عام 1955 ضد مشروع توطين أهل غزة من اللاجئين في شمال غرب سيناء، يوم كان عدد سكان غزة لا يتجاوز 80 ألف نسمة، ثم سرعان ما تضاعف العدد بعد تدفق اللاجئين، إلى ما يقارب 200 ألف، ويذكر التاريخ أنه في مساء يوم الثامن والعشرين من شباط عام 1955، قامت وحدة مظلات إسرائيلية بمهاجمة معسكر عسكري مصري قرب محطة سكة الحديد في غزة، أسفر عن مقتل 17 جندياً وهم نيام.
انطلقت مظاهرات حاشدة في الأول من آذار من مدرسة فلسطين، وراحوا يهتفون: «لا توطين ولا إسكان، يا عملاء الأميركان»، وانتشرت المظاهرات في كل مدن القطاع من بيت حانون وحتى رفح جنوباً، ما أجبر الحكومة المصرية على إلغاء مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء، وبدلاً من التوطين، وعدت بتسليح الفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم، وهرب يومها الحاكم الإداري لقطاع غزة اللواء عبد الله رفعت إلى العريش، وأصدر بياناً استجاب فيه لمطلب اللجنة العليا الفلسطينية بإلغاء مشروع التوطين.
الشاهد في الأمر أن أهل غزة الذين أفشلوا مشروع توطينهم في سيناء عام 1955، سيفشلون مشروع التهجير وإعادة التوطين في صحراء سيناء، بعد أن دفعوا هذه الآلاف المؤلفة من الشهداء على تراب وطنهم، والشاهد الآخر أن مصر تعي خطورة التهجير على القضية الفلسطينية وعلى الأمن القومي المصري، ولذلك لن يتظاهر أهل غزة كما تظاهروا عام 1955 لثني مصر عن مشروع خبيث من هذا النوع.
هذا أولاً، وأما ثانياً، فإن خطاب بنيامين نتنياهو الذي وصف الحرب على غزة، بأنها حرب الاستقلال الثانية، تعني تهجيرا جديدا للفلسطينيين، فحرب استقلال إسرائيل الأولى، قامت على القتل بهدف الترويع والتهجير، وعندما يقول أن هذه الحرب هي حرب الاستقلال الثانية، فإنه يعني عزم إسرائيل على حرب تهجير ثانية للشعب الفلسطيني كتلك التي وقعت عام 1948، وهذا هدف بعيد على عين نتنياهو، وقدرته على تنفيذه، لا من ناحية غزة في اتجاه سيناء، ولا في ناحية الضفة الغربية في اتجاه الشرقية.
وكان من المتوقع، وسيظل متوقعاً وقد ذكرت ذلك في كتابي «رسالة القرن: أي مصير ينتظر القدس» عام 2019، أن إسرائيل ستفتعل حرباً يوماً ما، للتخلص من الكثافتين في الجانب الفلسطيني؛ غزة، والضفة الغربية، لدفع أهل غزة للهجرة مرة ثانية إلى سيناء، ودفع أبناء الضفة الغربية للهجرة ثانية إلى شرقي النهر، ولكن كل ذلك لن يتحقق إلى إسرائيل، لأن الفلسطيني لم يعد يخاف، لا يخشى شيئاً، لا ترعبه قوة إسرائيل وجيشها، ولا يترك أرضه أبداً، وليس أمامه بعد 75 عاماً من النضال والألم، سوى الصمود على الأرض.
المشروع الألماني الذي تناقشه ألمانيا مع دول في الاتحاد الأوروبي هذه الأيام لتدويل غزة بعد الحرب، سيجد المقبرة في انتظاره، وكذلك كل سيناريو تفكر فيه إيطاليا، أو إسبانيا، أو الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا. أهل غزة سيظلون في غزة، وأهل الضفة الغربية، لن يقطعوا «الشريعة» مرة أخرى، ولن يسمح الأردن مرة ثانية بتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها، ولن يسمح أن يدفع ثمن جرائم إسرائيل، ويمرر لها مشاريعها في التهجير والتفريغ.