جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم نايف المصاروه
في عام 1897 عقد المؤتمر الصهيوني الأول، في مدينة بال ” بازل ” بسويسرا ، بجهد جهيد ودعم حثيث من ثيودور هرتزل، الذي يعتبر المؤسس الأول للحركة الصهيونية العالمية. وعلى ضوء ذلك المؤتمر ” بازل”، أعلن عن تأسيس المنظمة.
الصهيونية العالمية، لتنفيذ عدة أهداف منها وأهمها إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وتمكينهم من الهجرة إليها. وقد نجحت المنظمة الصهيونية العالمية عام 1901 في تأسيس "الصندوق القومي اليهودي” (الكيرين كايميت) ، كما نجحت في نهاية نفس العام، من إنشاء "صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار”، الذي تفرعت عنه بنوك أخرى هدفها جميعاً تمويل النشاطات والمشاريع الصهيونية، على مستوى العالم، وعلى راس ذلك دعم الهجرة والاستيطان في فلسطين .
وفي ذلك الوقت كانت دولة الخلافة الإسلامية، قائمة تعيش حالة الضعف ،ولكنها عامل وحدة وقوة ، ومع ذلك اعتبرها الصهاينة واذنابهم عقبة في طريقهم. فجعلوا القضاء على ما تبقى منها هدفهم وغايتهم،
فأنشاوا المنظمات والاحزاب المضادة لها، وجندوا العملاء وأغروهم بالمال، وأغرقوا ديار الخلافة بالفتن والويلات، واشتعلت الثورات، فكثر الهرج والمرج، ثم ما لبثت ان تلاشت دولة الخلافة.
وتفرق العرب بعد ذلك إلى دويلات مقطعة الاوصال، تعيش تحت نير الاستعمار الأوروبي .
وحين كانت المؤتمرات تعقد والمراسلات تتجدد ، وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني ،ثم كان وعد بلفور عام 1917،الذي رسخ فكرة الوطن القومي لليهود لتكون واقعا مشؤوما على ارض فلسطين .
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ازدادت نشاطات الهجرة إلى فلسطين، وقد حرصت المنظمة على إختيار نوعية بعض المهاجرين اليهود ، فكان من بينهم اهل الإجرام ، بعد أن تم تدريبهم على كل فنون الإرهاب ، وليشكلوا عصابات البالماخ والهاقانا والإرغون وشتيرن وغيرها.
وقد مارست تلك العصابات كل صنوف الإرهاب والقتل والترويع، بحق الشعب الفلسطيني ، وبالرغم من النظال الفلسطيني والعربي ، نجحت المنظمة الصهيونية في تنفيذ أهم برامجها ومخططاتها، وهو احتلال فلسطين وتشريد وتشتيت أهلها وإقامة دولة لليهود على ترابها. وساعد على ذلك تآمر أممي… ، ودعم اوروبي من بريطانيا وأمريكا وفرنسا، يتجدد في كل يوم ، قابله أيضا خنوع وتخاذل وانقسام عربي واسلامي مخيف، يتولد ويتلون في صور شتى. وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939،ومشاركة العرب فيها لنصرة بريطانيا، على أمل الوفاء بوعود التحرر والإستقلال،فكان نصيبهم مزيدا من الانقسام والتقسيم، وتجذير واقع الاحتلال والتهويد. الذي يجب الإشارة اليه، ان كل العصابات الصهيونية الإرهابية، التي كانت بالأمس تمارس كل أشكال الإرهاب على الشعب الفلسطيني، أصبحت فيما بعد النواة الأولى لجيش الإحتلال الإسرائيلي الذي نراه اليوم .
فلا يستغرب ان يقوم جيش الإحتلال في كل يوم، بقتل أطفال فلسطين وشبابها ، أو يعتقلهم بلا ذنب، أو يحتفظ بجثامين بعضهم.
ولا يستغرب أيضا أن ذلك الجيش يعري النساء ويسحل الشيوخ ويهدم البيوت على سكانها، وينكل بأهل فلسطين صباح مساء ؟
لكن الذي يستغرب… إن يقبل” العربي والمسلم الحر” بالظلم والضيم، ويعيش واقع الذل تحت الإحتلال!
دولة قائمة على الإحتلال والإرهاب ، واغلب قادتها وزعماءها، هم زعماء عصابات أسموها احزابا وهي تمارس الإرهاب بصور الديمقراطية المبتورة. الصهاينة يحققون أهدافهم ويترجمونها أفعالها على أرض الواقع ، بالعمل المستمر والتصميم الأكيد وينفذون خططهم بدون اي تراجع.
قد يتأخر عندهم زمن التنفيذ بسبب عقبات هنا وهناك، أو خوفا من إثارة لمشكلات لم يحسب حسابها، ولكنم لا يتركون اهدافهم وغاياتهم ولا يتراجعون عنها ، وفي سبيلها يموت الآباء والاجداد، ويتوارث تحقيق ذلك الأحفاد. ألا تعلمون ان ما جرى بالأمس، ويجري اليوم وما سيكون غدا، هو جزء من عقيدتهم وتعاليم تلمودهم ، لتنفيذ مخططهم الإحتلالي والتوسعي، ولتحقيق حلمهم الموعود بإقامة إسرائيل الكبرى ؟
هل سمعتم ان الصهاينة تراجعوا عن قرار اتخذوه ؟
او اعترفوا بجرائمهم التي ارتكبوها ؟ يستغرب بعض العرب ويندهش من أفعال الصهاينة، ومراوغتهم واكاذيبهم ونقضهم للمواثيق والعهود !
ولو عاد كل منا إلى القرآن المجيد، لوجدنا أصدق البيان والقصص، بأن اليهود هم قتلة الأنبياء، ونقضه العهود، وصناع الفتن، وهم بالأمس، كما هم اليوم بل أشد إجراما وارهابا،”{ وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ} ”. ولكن الذي يجب أن يستغرب، هو حالة الضعف والذوبان، وواقع التشرذم والإستسلام الذي نعيشه كعرب ومسلمين !
ومع اننا نملك كل عوامل ومقومات القوة والوحدة، في الدم واللغة والعقيدة، لكننا نسينا الله فأنسانا أنفسنا!
منذ أكثر من سبعين عام تقريبا، ماذا فعلنا كعرب لاستعادة حقوقنا المغتصبة والمسلوبة في فلسطين والجولان ؟
او ماذا فعلنا للرد على مجازر الصهاينة قديما وحديثا ، كتلك التي وقعت في قرية الشيخ، وفي دير ياسين، وابو شوشة والقبية والطنطورة وقلقيلة وكفر قاسم وخان يونس وجنين ونابلس وغزة وغيرها ؟
او كيف كان الرد على مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان؟ وهل ثأرنا لمذبحة شاكيد في سيناء والتي ذهب ضحيتها عشرات الجنود المصريين؟
وهل سعينا… بالقصاص ردا على مذبحة المسجد الأقصى عام 1990،ومن بعدها مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994؟
أنشدكم الله…
هل سمعنا خلافا لما هو معهود من بيانات الإدانة والشجب والاستنكار، التي ولدت فينا الذل والإنكسار ؟
مؤتمرات وندوات وقمم، بعضها طارئ وبعضها الآخر عااادي أو دوري، عقدت وتعقد هناك وهناك، وخطابات وبيانات تنادي بعروبة فلسطين وبضرورة الدفاع عنها، ودعم صمود أهلها، لكن ما تلبث ان تتبخر ، بعد تلاوة البيان الختامي لذلك المؤتمر او تلك القمة.
وشعوب تنتظر واقع التغيير الحقيقي، فلا تجد إلا رجع الصدى، وواقع الذل ،بسبب جل الانظمة الحاكمة، التي تخاف على كراسي الحكم، أكثر من خوفها من الله؛ أنظمة جلها لا تخالف او تخرج عن أوامر السادة، الذين وضعوا بعضهم أسيادا، ليكرسوا واقع الافلاس الفكري والعسكري والاقتصادي والسياسي ، ويجذرون واقع الإنهزام النفسي للشعوب. نواقيس تترى وتتكرر.. وما أكثرها تقرع لتوقظ فينا أن الحق ابلج..
تصور يا رعاك الله،أن أوروبا تجتمع لتساند أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وتمدها بالمال والسلاح، وتفتح أبواب التجنيد لمن يرغب بالتطوع للقتال.
والادهى هو قرار الاتحاد الأوروبي، برصد الأصول الروسية المجمدة ، لتمويل إعادة اعمار أوكرانيا. هل سألنا أنفسنا لماذا يحرم كل ذلك على العرب وأهل فلسطين؟
ولماذا نحن بالذات وفي عالمنا العربي، من يتجرأ منا على لفظ نصرة الشقيق، أو حتى ذكر الجهاد لإسترداد الحقوق المسلوبة، يجرم بتهم الإرهاب!
وبالرغم من كل ما يجري على أرض فلسطين اليوم ، من تجدد لسياسة القمع والقتل والإعتقال والتشريد لأهلها ،والتوسع في الاستيطان وبناء المستعمرات ، والتهديد الحقيقي لعروبة القدس وإسلاميتها، والتدنيس اليومي للمقدسات.
ومع ذلك لا يزال بعض القادة والسادة والساسة ، ينادي ويدعوا إلى التمسك بخيار السلام، أو بما يسمى بحل الدولتين ” كحل وحيد”، ونسي او تناسى ان ما أخذ أو أغتصب بالقوة، لا يعاد إلا بالقوة ،وأن الصهاينة لا يفهمون إلا بلغة القوة والسلاح. واسأل.. كل ساسة أمتنا العربية ومفكريها ودعاة صنع السلام، ماذا جنى العرب من السلام والتطبيع مع إسرائيل القديم منه والجديد؟
وهل قبلت إسرائيل بالسلام وأقبلت عليه ، كما اقبل عليه العرب، ام انها لا تزال تغرد خارج دائرة مفهوم السلام المزعوم وتتمرد وتتمدد أكثر، وتستعصي فتقدم لها المزيد التنازلات ؟
وهل حقق السلام والتطبيع مع الصهاينة أي فائدة للعرب ، ام ان المستفيد الوحيد من كل ذلك هم الصهاينة فقط؟
بعد تكليف النتن ياهو مؤخرا ومن معه من اليمين الصهيوني المتطرف، بتشكيل حكومة الإحتلال، سمعنا بعض القادة وصناع القرار العربي، يولولون خوفا على كشف عوراتهم أمام الشعوب، وخوفا على مستقبل كراسي حكمهم البائد.
فقلت وأقول… احصدوا اليوم ما زرعتموه بالأمس، وأسألهم..؛ بماذا يفرق بينيت او لابيد او النتن ياهو او بن غافير، او غيرهم من قادة وساسة وصناع القرار الصهيوني اليوم ، عمن سبقوهم بالأمس كبيغن وشامير وشارون وبارك وشمعون وديان وغيرهم؟
أو بماذا يفرق بن غافير عن غرشون سلمون أو باروخ غولدشتاين؟
أليس أولئك الأباء والاجداد، وهؤلاء هم الأحفاد؟
لعل ما جرى سابقا ويجري اليوم على ثرى فلسطين كلها وفي غزة بشكل خاص، يكون ناقوسا يوقظ ضمائر بعض أنظمة الحكم والسياسة وسادة القرار.
فيؤكد لهم ان قوة النظام والحكم، هو في التفاف الشعوب حولهم، ولا ولن تكون بالإستعانة بقوى الغرب، التي تسعى لمصالحها فقط ، وقد اثبت ذلك الواقع المعاصر بشكل جلي، بعد أن عرت البعض وكشفت سوءاتهم، وتركتهم يواجهون مصيرهم مع شعوبهم . وقبل الختام … يا ترى.. ماذا يملك العرب من الخيارات والأدوات ، لوقف كل أشكال التمرد والتمدد الإسرائيلي؟
الجواب لكل متبصر..، نعم إنهم يملكون الكثير… إن أرادوا ذلك، يملكون قوة الوحدة في الدين والدم واللغة، فما هي موانع الإتحاد ؟
ويملكون العدد البشري المؤهل، والعتاد العسكري الحديث والمتطور، والذي يشترى سنويا بمئات المليارات، فما الذي يمنع ان توضع كل تلك الأسلحة موضع الاستعداد للقتال؟
ولا تكون فقط للإستعراض، او ان تكدس في المخازن ليعلوها الصدأ والتراب! ويملكون أوراق الطاقة، وخاصة في هذا الوقت بالذات ، للتأثير بها على السوق العالمي، فلماذا لا يؤثرون؟
ويملكون قوة الضغط، بكل الاتفاقيات مع الإحتلال الصهيوني ، فلماذا لا يلوحون بإلغائها إن استمر الصهاينة في غيهم وتطرفهم وحرب الإبادة التي يشنونها على غزة؟
ويملك العرب وخاصة اهل فلسطين، خيار حل السلطة الفلسطينية، وإعلان فلسطين دولة تحت الإحتلال، والعودة إلى الكفاح المسلح ،فالماذا لا يفعلون؟
اما على الجانب الشعبي، فنجد بشائر الخير تتوالد ، من خلال جذوات لثورات تشتعل على أرض فلسطين، وشباب ثائر يرفض واقع الظلم الذل والإستسلام.
ثورات وحركات تحترم، ولكن وبكل صدق… لا تكفي… وإنني هنا أخاطب كل حر وغيور من الشعب الفلسطيني ، داخل فلسطين على وجه الخصوص،وما أكثرهم.. فأقول… إن شعلة ثورة التحرر والإنعتاق من الإحتلال، يجب ويجب ثم يجب… ،” أن تشعلوها انتم بأيديكم اولآ” ، ولا تنظروا او تنتظروا ذلك من غيركم، فلا يحك جلدك مثل ظفرك. والذي يجب الحرص والتأكيد عليه، بأن توقد شعلة الثورة في كل المدن والبلدات الفلسطينية كلها.
والأهم هم الحرص عليها فلا تنطفئ أبدا، حتى يتحقق الهدف المأمول، بزول الإحتلال او بتراجعه عن كل مخططاته التوسعية. والأهم هو الإصرار على مطلب نيل الإستقلال، وللعلم.. فإن لذلك ثمنا وضريبة، فسيكون هناك شهداء وجرحى وخسائر مادية، ولكني أذكركم بأن ذلك واقع يومي تواجهونه وتعيشونه تحت حراب الإحتلال، كما في غزة وجنين وفي نابلس وغيرها.
فما أجمله واكمله عندما يعلن ذلك ويقدم ويتكرر ليكون في سبيل الإنعتاق والتحرير الحقيقي وإلى الأبد. وهمسة لكل متبصر منهم ولغيرهم، فإن الضرف السياسي والإقتصادي وكل المناخ الدولي، مناسب لذلك، فإذا هبت رياح سعدك فاغتنمها . اما على الجانب الشعبي العربي، فإن نصرة الشقيق أوجب الواجب، ومن يتأخر عن ذلك، فقد.. {فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} واللبيب من الإشارة يفهم.
وأذكر.. بأكلت يوم اكل الثور الأبيض، وأذكر أيضا، ان الذي يترك شقيقه لتأكله الكلاب والذئاب، فستجوع نفس الكلاب والذئاب يوما ما وستعود لتأكله. وإذكر.. تأبى الرماح إذا إجتمعن تكسرا.. ،وإذا تفرقن تكسرن آحادا.
وأسأل كل ذي لب وعقل ، إلى متى سنبقى كالعبيد نجلد بسياط الذل ؟
أو إلى متى سنبقى كقطعان الاغنام نساق إلى المذبح كل يوم ؟
أيها العرب والمسلمون… أعدوا العدة… لقتال الصهاينة.. فإن ذلك واجب شرعي، أمر به ربنا سبحانه { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ…}. ثم.. اما علمتم… إن الدجاج في إحدى البلدات الفرنسية قد انتفض على ثعلب دخل إلى قنه فقتله !
لا أدري… متى سيستخدم العرب كل تلك الأدوات، ومتى سيكون أوآنها !
وهل نحتاج إلى قوارع أكثر مما نعيشه هذه الأيام وقد وصل عدد الشهداء أكثر من خمسة آلاف ،فيما وصل عدد الجرحى أكثر من خمسة عشر ألف ، ولا يزال المئات تحت الأنقاض بين شهيد وجريح.
وهل نحتاج إلى أكثر مما يجري من مشاهد القتل والدمار ؟
متى نستيقظ..؟
ومتى تعود لنا كرامتنا ؟
اللهم ردنا إليك ردا جميلا… كاتب وباحث أردني.