جفرا نيوز - جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
ما كان عليك أيها الرجل المشلوخ إلى نارين، أو نهرين أو حجرين أن تكتم قهرا يتلظى مثل بركان في حجرات قلبك المتعبة. ما كان عليك أن تصمت له، وتدعه ينال منك ويهمز روحك الطرية بهذا المهماز النازف. بل كان عليك أن تصرخ ملء السماوات لتيقظ أوباش هذا الكون المتغافلين وتضع خنجرك في أعينهم.
ما كان عليك أيها الموجوع أن تنوح كأشجار النيران حين نزت الدماء من شاشة تلفازك وملأت غرفة المعيشة فانزلق من يدك زناد القنوات. بل كان عليك أن تفتح بوابة روحك وتجوح كذئب جريح في وابل الملح. تألم تألم. لا شيء يطهرك مثل الألم.
وما كان عليك منذ البدء أن تحمّل نفسك ما لا تقدر عليه. أنت لست صخرة مشذبة، أنت نصف طين وأنين. فلا تأخذك الغفلة وتظن أنك ستصمد على خط القهر طويلا دون ألم. أنسيت أنك لم تنم منذ أكثر من عشرة أيام. تأكل بلا طعم وتتنفس ترابا وتزفر نارا وتضيق حولك الجدران والساحات وتغص بك الكلمات وتخرس فمك مثل حجر في جبل مطمور. أنسيت ما تمنيته من يومين أن تغدو الأوجاع ثيابا نخلعها كما نخلع أيادينا من القمصان.
لا عليك لا عليك أنت لست صخرة كاملة أنت طين وحنين. فلا تحمّل قلبك ما لا يقدر عليه. فما كان سيكفيك أن تطلب من أوباش العالم أن يوقفوا كوكب التفاهة هذا كي تنزل منه في أي عماء في الفضاء الأبله. لا تريده هذا الكوكب، أعرف هذا. لكنّ الأرض ليست حافلة أيها الموجع لتطلب النزول منه عند المحطة؟ عليك أن تقاتل وكفى.
فما كان سيشفي أن تلكم وجه الجدار مرارا وكأنك في حلبة صراع مع نفسك؟ فلا تقف أمام المرايا الآن ولا تدع غضبك ينسيك لمرة أنك من طين ووجع فقط. أنت لست حديدا أو شمسا أو ترابا جافا. أنت بكاء وحزن ووجع يتلبد في قبضة يديك فلا تقسُ على نفسك أكثر ارحمها. ولا عليك أن تجوح أو تزمجر أو تزأر ملء قهرك وأكثر.
نعرف أنك وصلت حدود الصبر ورميت عنك ثياب الغبار ومضيت. نعرف أنك مخنوق ومشنوق بقهر لا ينقطع. لكن لا تنس أنك من طين. وماذا كان في يديك أن تفعل أكثر مما فعلت؟
هذه محرقة كبرى والعالم التافه يصمت عليها كعادته. ينافق ويقيس العدل والرحمة والسلام بمقاييس عديدة لا تتشابه أبدا في الأحوال والأهوال. ولهذا لا تعول على أحد ولا تنتظر من أحد أن يمسح دمع طفل ألجمه الخوف في باحة مستشفى غزة. لا تنتظر من أحد أن يرفع هذا المقت عنا؟
قاتل