جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب - عمر عليمات
يجمع الكثير من الخبراء على أن الدور الأمريكي في الشرق الأوسط خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما هو الأسوأ على الإطلاق، باعتبار سياسات واشنطن في تلك الفترة أدت إلى خلق حالة من الفوضى ما زالت المنطقة تعاني من تبعاتها إلى اليوم.
إدارة أوباما تركت المنطقة تسير على حبل مشدود، وسمحت للفوضى أن تتغلغل في مفاصل الإقليم انطلاقاً من أيديولوجيا ترى أن الفوضى الخلاقة هي السبيل إلى نشر الديمقراطية أو تحقيق التغيير الإيجابي في المجتمعات، إلا أن ما حدث عكس ذلك تماماً، فمن مستنقع الملف السوري إلى إرهاب داعش إلى تضخيم الدور الإيراني في المنطقة وغيرها الكثير من الأمثلة على ما
آلت إليه الأوضاع نتيجة سياسات أوباما وتخاذله عن القيام بمسؤولية الدولة التي تقود النظام الدولي.
ما يجري اليوم في المنطقة قد يزيح إدارة أوباما عن صدارة الإدارات الأكثر سوءاً في الشرق الأوسط، ويضع إدارة الرئيس بايدن في المقدمة، وخاصة فيما يتعلق بطريقة تعاطيها مع الملفات الحساسة في المنطقة، فمن انسحابها العشوائي والمفاجئ من أفغانستان وإعادة كابول تحت حكم طالبان خلال أقل من 24 ساعة إلى إدارتها المتأزمة والمترددة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وصولاً إلى تجاهلها لشواغل حلفائها والتحديات التي تواجههم.
ولعل الخطأ الأكبر الذي تقترفه واشنطن اليوم هو طريقة تعاطيها مع العنف المتصاعد في المنطقة وتقديم «شيك على بياض» لتل أبيب والسماح لها بافتراس قطاع غزة دون أي اعتبار لقوانين الحروب والقوانين الإنسانية، والتغاضي عن استخدام أعتى الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً دون أن تفكر الإدارة الأمريكية أن اندفاعها غير المنضبط وراء إسرائيل سيجر المنطقة إلى المزيد من التصعيد والعنف، وينذر بتوسع دوائره إلى حدود قد يكون فيها ضبطه أمراً غير ممكن، خاصة في ظل وجود حكومة يمينية باحثة من حيث المبدأ عن أي سبب يمكنها من تنفيذ تصوراتها المتعلقة بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الدول المجاورة وخاصة الأردن ومصر.
تجاهل إدارة بايدن المتعمد للقضية المركزية في المنطقة وأساس كل الصراعات والتوترات لعب دوراً رئيسياً في وصول الأمور إلى ما نشهده اليوم من تصعيد قد ينفلت من عقاله ويصل مستويات حرب إقليمية تطيح بكل آمال الاستقرار والسلام، فما الذي فعلته إدارة بايدن منذ وصولها البيت الأبيض تجاه القضية الفلسطينية؟، أضعفت السلطة الوطنية الفلسطينية التي من المفترض أنها الشريك الفلسطيني المقبول دولياً، تغاضت عن سياسة إسرائيل التوسعية، تجاهلت التحذيرات العديدة من خطورة السياسة الإسرائيلية تجاه الأماكن المقدسة في القدس والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، غضت النظر عن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة، والذي حول القطاع إلى سجن حقيقي بلا أفق سياسي، تجاهلت تحذيرات الدول المنخرطة في القضية الفلسطينية من خطورة القفز على أصل الصراع لتحقيق السلام مع الإقليم دون تسوية سياسية تضمن للفلسطينيين دولتهم المستقلة.
كل ذلك توجته واشنطن بموقفها غير المنضبط تجاه التصعيد العسكري في غزة، فبدلاً ممن ممارسة دور الضامن للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي تقوم بصب الزيت على النار، لتعزز الانفعال الإسرائيلي، واستغلال الموقف لتنفيذ أجندة اليمين التوسيعية.
عقلنة الصراع ومنع انفجاره بوجه الجميع يحتاج إلى عقلنة القرار الأمريكي أولاً، وإخراجه من دائرة الحسابات الانتخابية، فلا أحد يمكنه ممارسة أي ضغط على الحكومة الإسرائيلية ومنعها من الذهاب بالمنطقة نحو المجهول سوى الإدارة الأمريكية، وواشنطن اليوم أمام تحدٍّ حقيقي ومطالبة بممارسة دورها باعتبارها القوى الأكبر في العالم، وإذا ما استمرت في نهجها الحالي فإن انفلات الأمور والذهاب نحو السناريو الأسوأ وهو الحرب الشاملة في الشرق الأوسط قد بات السيناريو الأقرب للواقع.
باختصار، واشنطن تقامر بمستقبل المنطقة، وتتعامل مع العنف الذي قد يأكل الأخضر واليابس من منطلق حسابات ضيقة ستعيد الصراع إلى نقطة الصفر إذا ما واصلت هذا النهج غير المتزن.