جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
لم يدر في خلدي وأنا أتابع فيلم «غولد» الجديد، الذي يروي جانباً قصيرا من هلع ومفاجئة جولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الإسرائيلي خلال حرب تشرين 1973، أن أصحو على مفاجئة مماثلة تحطم من جديد أسطورة جيش زعموا أنه لا يهزم، وتكسر أفق توقع الكثيرين أن المقاومة بردت في رمادها، ولا فرصة لجمراتها أن يتقدن بشرر مستطير.
صحوت على أخبار تجلجل كزغاريد الأمهات فرحا بطوفان الأقصى المباغت المتلاطم كثائر لا يستكين ويقول للتاريخ والحياة إن مقاومة الشعوب المقهورة بالاحتلال والظلم إسترتيجية تبرر ذاتها على مر الدهور.
الفيلم الذي لعبت بطولته البريطانية هيلين ميرين يحمل اعترافًا من المحتلين بانخداعهم بقوتهم وغطرستهم وغرورهم، وكيف فاجأهم العرب بالحرب والانتصار، لكنه ينشغل بتبرير تلك الهزيمة أكثر من كونه فيلما يسرد سيرة عجوز حاولوا أن يظهروها بمسحة إنسانية يعجز سياقات الأحداث أن يتساوق معها.
بالطبع يكتفي الفيلم بإبراز مشاهد من غرف العمليات الحربية المغلقة، في حين نقلت الأجهزة اللاسلكية صرخات الجنود الإسرائيليين وذعرهم في خطوط المواجهة، وهذه حيلة مكشوفة للابتعاد عن إبراز البطولات العربية، وكي لا يتحول الفيلم رغما عن رغبة صانعيه إلى أنشودة تمجدها وتكرسها.
لا نحتاج لذلك الفيلم اليوم كي يظهر بطولة المقاومين وأصحاب الحق. فنحن عشناها صبيحة السبت مشهدا مشهدا وحركة حركة ونغمة نغمة ولا نحتاج ايضا إلى آراء محللين يرون أننا أمام حرب بلا فائدة؛ لأنها بلا هدف استراتيجي، وأنها جاءت لتحقيق مصالح خاصة بالفصائل ومن خلفهم إيران وأتباعها.
لا تحتاج الشعوب المقهورة المحاصرة إلى استراتيجيات كي تقاوم وتنتزع حقها في الحياة والكرامة والأرض بالطريقة التي تراها مناسبة والوقت الذي تراه مواتيا. المقاومة تبرر نفسها في كل لحظة وساعة ويوم، حتى ولو لم تندرج في نطاق حسابات الورقة والقلم، فهذه حسبة تنفع مع بقال الحي ولا تجدي شيئا مع عدو عليه أن يدرك تماما أن جمر الحياة لربما يبرد في الرماد لكنه يثور ويتطاير شررا في أية لحظة.
تباً لأولئك المحللين الذين يستكثرون على المقهورين العلامة الوحيدة من علامات الحياة، التململ والمقاومة ورفض الموت كخراف المسلخ. يريدونهم جثة مزرقة أرختها أصابع الموت وسجتها كخرقة فوق التراب.
نحن في مواجهة إنسانية ووطنية وقومية وأخلاقية طويلة الأمد مع عدو غاشم متمكن له نفوذه وهيلمانه وشراكاته المتينة مع القوى الدولية. ولربما لا نتوقع أن تتحرر مقدساتنا وقدسنا الساعة، ومع هذا نقول إننا لن نخمد أو نهمد؟ فلماذا نمنح أعداءنا ما يريدونه من صمت المقابر وسكونها؟