جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم أحـــمــــــد الـــــحـــــورانـــــي
في حفل تأبينه الذي أقيم في قصر الثقافة الملكي مساء يوم السبت الماضي، فإن شخصية بحجم الدكتور عبدالسلام المجالي، كان من الطبيعي أن تحظى بهذا الحضور النوعي اللافت من خاصة القوم وعامتهم، فالرجل وأنّى يمّمَّ المتتبع منا وجهته شطرَ أي مرحلة من مراحل حياته وجدَ أنها كانت غنية ارتبطت بإنجاز خطّه أبا سامر أكان في حقل الطب أو العمل الأكاديمي أو الحكومي إبّان كان وزيرًا لأكثر من مرة أو على صعيد موقعه الأكثر مسؤولية كرئيس للوزراء حاز ثقة الحسين بن طلال في مرحلة كانت بالغة في تطوراتها وتحدياتها إن على مستوى الدولة أو الإقليم أو العالم، وفي جميعها كان المجالي رجل دولة من طراز رفيع ومحل الثقة، وصاحب قرار جريء شجاع يضع الأمور في نصابها الصحيح ويخشى الله في الوطن ويرعى مصالحه العليا ما وسعه ذلك.
ولعلَّ المِفصل الأهم في احتفالية التأبين إن المتحدثين من كبار رجالات الدولة من الأردن وثلة من خارجه من بينهم رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق ورئيس الوزراء الماليزي الأسبق، والسيد عمرو موسى وزير الخارجية المصري الأسبق، قد التقوا في معرض استذكارهم للرجل على قواسم مشتركة تمثّلت في جملة من الخِصال التي شكّلت مكوّنات رئيسة في شخصية عبدالسلام المجالي في جوانبها المتعددة السياسية والاجتماعية والإنسانية مما يمكن للمحلل أن يخلص معها إلى القول بأن أبي سامر كان قد تميز في خضمِّ مسارات عمله باحتفاظه لنفسه بمُثُله ومبادئه دون أن يضع خطوطًا جامدة توقفه عن المشاركة في مختلف مراحل تطورات شهدتها الدولة الأردنية، واستطاع أن يوفّق بين المُثل وبين الأمر الواقع بمرونة واعية وحقق في عمله طيلة العقود التي خدم فيها الوطن الحد الأقصى الممكن من النجاح وبقدر ما سمحت به الظروف الموضوعية وفقاً لطبيعة كل مرحلة من تاريخ بلدنا الحبيب.
ما قيل في الرجل وما التقى عليه المتحدثون وأيّده ووافقه المستمعون من مختلف ألوان الطيف الأردني، يؤكد إحدى أبرز الحقائق التي عُرف بها وبما مضمونها انه كان عقلًا سياسيًا ومفكرًا فذًّا، وكانت له قناعاته وأفكاره التي وإن اختلف معه فيها الكثيرون، لكنه كان مدافعًا عنها بصلابة وبمنتهى البسالة دون أن يتردد في الوقت نفسه بإعلانها على الملأ، والتي ما انفك متمسكًا بها حتى أزفت ساعة رحيله وتلك هي التي ارتكز عليها في سعيه الحثيث المُدعّم بصدق انتمائه لمليكه ووطنه، فحقق ما استطاع إليه سبيلا من مساهمات مؤثرة وفاعلة في المشهد السياسي الوطني خلال عشرات السنين من عمله في مواقع متقدمة في الدولة، وحمل من الأعباء ما يتقوّس من ثقلها الأشدّاء بيد أنه كان على قدر ما أُنيط به من مسؤوليات جِسام كما كان العهد به منذ بدأ خدمته للعرش الهاشمي، وهو في هذا الخضم وكما وصفه المتحدثون كان رجلًا تشاركيًا يثق بمن يعملون معه ويأخذ برأيهم ومشورتهم دون تقوقع داخل إطار نظرة ضيقة أو فوقية يمارسها عليهم.
مواقف التأبين تثير في النفس مشاعر الأسى لفقد الأحبة من الأصدقاء ورجالات الدولة وذوي القربى، ولكنها وفي حالة الدكتور عبدالسلام المجالي، مناسبات تثير الذكريات وتبعثها حيّة في النفوس، فتستعرض صورها في شريط متلاحق كأنما يعيش المرء معها من جديد، يواكبها، وينفعل بها انفعال المعتبر والمتعظ، وما من أحد ممن عاصر المجالي رحمه الله واتصل به من جيله، إلا وتمتلئ نفسه بذكريات طويلة عنه وهو الذي كان متراحب الآفاق، متعدد الجوانب، ممتد الصلات.