جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم زهير محمد الخشمان
في ظل الظروف الراهنة المتصاعدة التوتر والتحديات المتزايدة، يظهر جلالة الملك عبدالله الثاني برؤية واضحة وحاسمة لمستقبل الشرق الأوسط والعالم، وهو يتحدث بلسان الحكمة والتجربة، يرسم صورة لعالم ينبض بالأمل والتنمية المستدامة.
في قاعات الأمم المتحدة، حيث يتقاطر العالم ليعبّر عن همومه وآماله، وقف جلالة الملك وأطلق صداه القوي، صدى العدالة والأمل، رائداً بالرسالة التي تنم عن قلب الأمة العربية. كانت كلماته تتناغم مع الإيقاع الهادئ للأمل مع نبضات قلوب المستمعين، كان يحمل في صدره مشاعر شعبه، وينقل أحزان وآمال أمة تنشد العدالة والسلام.
"نحن الأردنيون جادون في القيام بواجبنا تجاه المحتاجين، ونبذل كل ما في وسعنا لتأمين حياة كريمة للاجئين."، بهذه الكلمات وصف جلالة الملك في خطابه، على الأوضاع الصعبة والتحديات الكبيرة التي تعصف بالمنطقة. الأردن، البلد الصغير ولكن العظيم بروح شعبه وقيادته، يواجه الأزمات ويسعى إلى التغلب على الصعاب.
الملك تحدث بصدق وشفافية عن المعاناة التي تسيطر على المنطقة، مؤكداً أن الحلول ليست في العزلة وإغلاق الأبواب، بل في التواصل والتعاون. لقد زرعت كلماته بذور الأمل في قلوب الحاضرين، وأسطرت الحقائق في وجدان العالم.
لكن الرؤية الملكية لم تتوقف ولم تقتصر كلمات جلالته على القضايا والصراعات السياسية وحسب، بل توسعت وتعدتها لتشمل الأمور الإنسانية والتنموية. تطرق إلى آثار التغير المناخي والفقر والجوع، وكيف يمكن للتعاون الدولي أن يُحقق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. " إنهم ليسوا مجرد إحصاءات وأرقام. إنهم إخوتنا وأخواتنا في الإنسانية وشركاؤنا في عالمنا " حيث عبر ان لا مجال إلا أن يعمل العالم جميعًا في تضامن، لضمان مستقبل زاهر لجميع شعوب العالم.
جلالته تناول القضية الفلسطينية بعمق وحساسية، مشيرًا إلى أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يُعتبر القضية الرئيسية التي تُحتّم الحلول العادلة لتحقيق السلام. تماهى بحرقة مع الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، والذين يعانون يوميًا من الظلم والاضطهاد، ورفع صوته ليتردد في القاعات، معلنًا عن الحق في الحرية والكرامة. الشعب الفلسطيني الذي "يعيش خمسة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال، بلا حقوق مدنية"، فجلالته أبرز الحاجة الفورية لتحقيق العدالة وحماية حقوقه، ودعا العالم للتحرك من أجل احقاق العدل والسلام والحرية. وأشار جلالته " نحن نرى الإسرائيليين ينخرطون في التعبير عن هويتهم الوطنية والدفاع عنها، في الوقت الذي يحرم فيه الفلسطينيون من ممارسة الحق ذاته في التعبير عن هويتهم الوطنية وتحقيقها."
لكي يتحقق هذا الحق، الشرط الأساسي هو إقامة دولة فلسطين مستقلة وقابلة للحياة، وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك على حدود ما كانت عليه في الرابع من حزيران عام 1967. ومن هنا، تُعتبر القدس المحور الرئيسي في رسالته، حيث تمتد الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة. أوضح جلالته أن حماية القدس ليست مسؤولية فردية أو وطنية، بل هي مسؤولية إنسانية وعالمية، فهي مدينة السلام، وعلى الجميع العمل معًا للحفاظ على هويتها وتراثها الثقافي والديني. إلا أن السلام الحقيقي لا يمكن تحقيقه دون التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. "لا يمكن لأي بناء للأمن والتنمية الإقليميين أن يثبت أساساته فوق الرماد المحترق لهذا الصراع". حل هذا الصراع يمثل المفتاح لفتح أبواب التنمية والازدهار لشعوب المنطقة.
أكّد جلالة الملك أيضاً على الحاجة الماسة إلى دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، التي تُعتبر الحامية للأيتام والمحتاجين، والمظلة التعليمية للشباب الطموح. إن دعم هذه الوكالة هو استثمار في مستقبل الأمة، وتعزيز للاستقرار الإقليمي. "فهناك حاجة طارئة للتمويل المستدام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)"
تعتبر قضية اللاجئين السوريين إحدى القضايا الملحة والهامة التي تمس الوجدان الإنساني، وقد أعطاها جلالته الأهمية البالغة في خطابه. الأردن، الذي يعتبر مأوى لملايين اللاجئين السوريين، يعكس صورة الأمان والاستقرار في وجه المآسي والتحديات.
جلالة الملك أكد على الدور الحيوي الذي يلعبه الأردن في استضافة اللاجئين وتوفير الدعم والرعاية لهم رغم الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة. وقد أشار إلى الضرورة القصوى للعمل المشترك والجهود المتواصلة لإيجاد حلول دائمة ومستدامة لأزمة اللاجئين السوريين. "ومن أجل مواجهة عبء اللاجئين، حرصنا بعناية على إدارة مواردنا المحدودة والدعم الأساسي من المجتمع الدولي، فالمسؤولية في التعامل مع اللاجئين ما زالت تقع على عاتق الجميع، لأن العالم لا يملك ترف التهرب من مسؤوليته، ليترك خلفه جيلا ضائعا" إن العالم بأسره ملزم بمساعدة الأردن في التعامل مع هذا التحدي الإنساني، ولا يمكن ترك الأردن وحده ليتعامل مع العبء المتزايد للاجئين السوريين. وقد شدد جلالته على أهمية تقديم الدعم الدولي للأردن في مواجهة تداعيات الأعباء الناتجة عن استضافة اللاجئين. اذ إن توفير الحماية والرعاية للسوريين لا يتوقف على الأردن وحده، بل يتطلب تضافر الجهود الدولية لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية العظيمة.
وفي ظل استمرار الأزمة السورية، يبدو أن العودة ليست خيارًا حاليًا للكثير من اللاجئين، وقد أشار الملك عبد الله إلى الحاجة الملحة لإيجاد حل سياسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254. وأكد جلالته أن "إلى أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، علينا جميعا أن نفعل الصواب تجاههم." وأبدى التزاماً صادقاً بتحقيق العدالة وتحقيق الأمان والاستقرار للشعب السوري. الأردن يواصل تقديم يد العون والمساندة، ولكنه يحتاج إلى دعم المجتمع الدولي لتحقيق تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والكرامة والعيش الآمن.
يمثل خطاب جلالته تذكيرا قويا بأن التضامن والإلتزام المشترك هما العنصران الرئيسيان لتحقيق تقدم مستدام في مساعدة اللاجئين، والحفاظ على استقرار المنطقة، مُعالجًا تحديات الموارد والأمن بشجاعة وحكمة. الأردن قدم نموذجًا للعالم في كيفية التعامل مع اللاجئين بإنسانية وكرامة، ولكنه ايضًا لم يعد يستطيع تقديم المزيد من الدعم للاجئين " لكن اليوم، تجاوزت قدرة الأردن على تقديم الخدمات الضرورية للاجئين حدودها " ولكن يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم الكافي لضمان استمرارية هذه الجهود والدعم الذي يستنزف من موارده "نحن نشاركهم موارد بلدنا الثمينة لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية من طعام وطاقة ومياه، فنجد بلدنا، أحد أكثر الدول شحا في المياه في العالم، يواجه طلبا متزايدا بمستويات غير عادية على هذا المورد الثمين" وهذا يُظهر إلتزام الأردن الراسخ بمشاركة موارده الثمينة لمساعدة اللاجئين على تلبية احتياجاتهم الأساسية من طعام وطاقة ومياه، رغم كون الأردن واحدة من أكثر الدول شحاً في المياه في العالم.
إن دعوة الملك للتضامن والتعاون الدولي تمثل نداءً للإنسانية والعدالة. إنه يرسم الأمل في قلوب اللاجئين السوريين ويؤكد على الحاجة الماسة للعمل معًا لبناء مستقبل مشرق ومستقر للجميع.
بينما كانت كلمات الملك تُرسم لوحة الحقائق والأماني، كان العالم يستمع، والقلوب تتوق لمستقبل يسوده السلام والعدالة والمساواة. كانت الرسالة واضحة وصريحة: يجب علينا جميعًا الوقوف معًا لبناء عالم أفضل، ومحو الفواصل بين الشعوب، والعمل من أجل حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.
في الختام، كانت كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم رسالة من القلب إلى القلوب، محملة بالرؤى البعيدة والأفكار النبيلة، مصداقًا للعقلانية والإنسانية، ومرسمًا للصورة الحقيقية للأمة العربية وقيمها وتطلعاتها. وفي زمن الأزمات والتحديات، يظل الأمل هو القوة التي تُحرك العالم نحو المستقبل الذي نتمناه جميعًا.