جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم بشار جرار
ما من عاصمة عربية تخلو من هذا الصوت الجميل، المزعج سابقا! صوت بائعين «على باب الله» كانوا ينادون بأصواتهم التي تلمح فيها بحّة الخذلان أو غصّة الانكسار، حتى تحسن الحال فصار «صبيانهم» هم من يتولون نيابة عنهم المناداة، ثم «صارت الآشية معدن» أي الأشياء أو الأحوال حسنة كما يقول إخوتنا في مصر الحبيبة، فصار العمال الوافدون من الأشقاء العرب هم من يتناوبون في المناداة مع أصحاب البلد إخوتهم الأردنيين، حتى أوكلت المهمة برمتها لهم، وصارت بنسبة قد تصل إلى الأغلبية المناداة على عبوات المياه المفلترة أو أسطوانات الغاز، أو شراء الأشياء المستعملة بصوت «صاحب المصلحة» قبل تلزيمها «آوت سورسينغ» لعامل وافد حديث نسبيا- من الجيل الثالث- مرخصا كان أم غير مرخص بمزاولة المهنة. وهي حتى الآن مهنة الباعة المتجولين.
لا شك أن المناداة عبر مكبرات الصوت على ظهر «بيك آب» خاصة ذلك المسجل على شريط سيئ الجودة إلى سيئ للغاية، لا شك أنه جزء لا يتجزأ من التلوث الضوضائي، فمعظم تلك الأسطوانات مشروخة ورديئة، لكن الغربة تفعل بنا الأفاعيل لدرجة القيام بتسجيل ذلك الصوت ورفعه «بوستا» على «الفيس» خلال إجازة الصيف العام الماضي. ضوضاء المدينة الأغلى الذي كنا نشكو منه، صرنا نشكو إليه، حنينا لا تذمّر فيه ولا عتب ولا ملامة.
لكني أعود مستدركا فأقول إن العتب على قدر المحبة.. وبعد أن «قطعت التذكرة» الكترونيا وصرت أعد الساعات لتلك الجرعة السنوية مما يقيت الروح عاما آخر، أتساءل عن مصير تجار من نوع آخر، ليسوا قطعا من النوع الحميد، لهم بضائع من نوع مختلف كليا، لمناداتهم بأساليب لا تخطر على بال أحد، باستثناء ذوي الاختصاص.
أيام زمان كانت ظاهرة الشللية مقتصرة على الإطار الاجتماعي حتى تسللت إلى بعض الإدارات، وكادت أن تعرف في بعض الأوقات العابرة، بالشللية السياسية بكل ما رافقها من مصطلحات كأصحاب الصالونات والأجندات و»جماعة» المنظمات الخارجية رسمية كانت أم أهلية – ربحية أو غير ربحية، و»رواد» السفارات غربية كانت أم شرقية، ومنظمات عابرة للحدود، أممية كانت أم زعمت أنها عربية أو إسلامية أو مسيحية، أو علمانية مدنية طاهرة من كل أنواع الرجس والدنس والمال الحرام..
الفارق الذي لا يتضح إلا مع الزمن ومن خلال إما كشف الأدوات أو الأهداف، الفارق أن هذه الفئة الأخيرة من التجار ليسوا «على باب الله» في أغلبهم ما لم يكن جميعهم إلا من رحم ربي. لا يروجون بالضرورة للبضاعة الحقيقية ويشغّلون عن سابق علم ودراية أو في غفلة، يشغّلون من لا يخطر ببال أحد، كمن يقوم بالترويج لبضاعة لا يعلم مكوناتها ولا منشأها – صينية كانت أم تايوانية!
العبرة في الحاجة إلى قيام ما يشبه جمعيات حماية المستهلك، أن تقوم بتوسيع البيكار وتقريب المنظار بعدسة مجهر، بحيث يتم كشف حقيقة البضائع تصنيعا واستيرادا وتصديرا. عندها فقط تظهر الأجندات والقرطاسيات والكنبات (رمز حزب الكنبة أو الأغلبية الصامتة) والكراسي (المناصب بقطاعيها الرسمي والأهلي وهذه الأخيرة صارت أكثر فسادا في معظم دول العالم) كلها صار لها منادون ولكل منصاته وبرمجياته، مصفوفاته ولوغرتماته، كلهم ينادي «للبيييع»! وكل يغني على ليلاه!
«أهل مكة أدرى بشعابها» ولا خير في حلول لا تنبثق من خصوصية المكان والزمان. كثير من التنظير أسقطته أحداث شهدناها على حقيقتها على الهواء مباشرة في بعض الدول التي كانت تريد التدخل في كل كبيرة وصغيرة. لعل من أكثر الأمثلة الصارخة الصادمة ذلك التنديد المحق بجرائم ختان الإناث في ثمانينيات القرن الماضي ليأتي زمان صرنا نرى فيه جهارا نهارا وعلى الهواء مباشرة من يقترفون جرائم مماثلة وأكثر بشاعة باسم ما يزعمون أنها حقوق وحريات وما هي في حقيقة الأمر إلا بضائع في تجارة لا تبغى في بغيها إلا مالا وسلطة على ظهور المضللين والمغرر بهم..
نحمد الله حمدا كثيرا، ما لهم سوق عندنا.. بضاعتهم ترد إليهم ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.. للأردن وللبيت رب يحميه..