جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
يبدو أن الشعوب التقدمية المتشرّبة بماء الديمقراطية الحقيقي، وتلك التي لديها حرية الاختيار الأمثل لا تقف أو تتوقف طويلا عند عواطفها ومشاعرها، ولا تتمترس في ظل بوابات ماضيها، حتى ولو كان ذلك الماضي مشرقا زاخرا بالعمل والأمل، بل نراها تندفع متجددة إلى الأمام، وقد تقصي من كان لهم أيادٍ معطاءة ليس لقلة تقديرهم، بل لأن لكل مرحلة رجالها.
فالنجاح في الانتخابات الحرة في عرف تلك الشعوب ليس شيكا على بياض يقدم حتى لمن ترك بصمة كبيرة وبارزة في بلاده. بل النجاح حالة مستقلة بذاتها لها معطياتها وأسبابها التي لربما تبدو غير منطقية بالنسبة لغيرهم. فكما أقصت الانتخابات الحرة في فرنسا الرئيس شارل ديغول محررها من الاحتلال الألماني، وكما أقصت ونستون تشرشل في انجلترا قائدها في الحرب العالمية الثانية، ها هي الانتخابات الماليزية تقصي رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد (97 عاماً)، وتحرمه من مقعده البرلماني في هزيمة تعد الأولى له منذ نحو 53 عاماً. صحيح أن الماليزيين يحفظون جيدا ما قدمه الرجل ولكنهم لا ينتخبون إلا على أسس حزبية برامجية تفيد المرحلة وهم يقدرون هذه المعطيات.
قبل خمس سنوات، وحين فاز بالمقعد النيابي رحبنا بعودته إلى سدة الحكم رئيساً لوزراء بلاده للمرة الثالثة، ليكمل عقدين وأكثر من العمل الدؤوب المثمر، عاد في ذلك الوقت والعمر ليس من بوابة أن العمل والحب ليس لهما تاريخ انتهاء للصلاحية، بل لأن التمسك بالأمل وحده ظل المفتاح الأبرز في مسيرته ونضاله. وتقدم ماليزيا يشهد بهذا.
حين عاد لم يباغتني فوز تحالفه، فالناس في أي أرض على كوكبنا قلما ينسون اليد الخضراء التي اسهمت بنهوضهم ورقيهم. فماليزيا نهضت من براثن الفقر، وهوة القلة والعوز، لتقف نمراً آسيويا تحدى نفسه وظروفه، ووصل إلى ما هو عليه. الناس في أي مكان يقدرون شريعة الإنجاز، وإليها ينحازون في أغلب أمرهم. ولكنهم في الانتخابات قد يجنحون إلى غير ذلك. وهم أحرار في هذا.
يومها قال إنه عاد إلى السياسة ليصحح أكبر خطأ في حياته، ويعني تقاعده. وقال إنه لن يمكث أكثر من سنتين في المنصب، ثم يسلمه لإتلاف المعارضة. وهو ما حدث. ولم يترشح في هذه الانتخابات هذا العام إلا لحبه للعمل، كما قال ولكرهه التقاعد. وقد أعلن أنه في حالة فوزه لن يمكث في المنصب أكثر من سنة. لكن الريح لم تأت كما تشتهي السفن.
حزين لخسارة هذا الرجل المثال. لكني سعيد أن الأمل يمكنه أن يمد الإنسان بالطاقة والحيوية حتى وهو في عقده العاشر، وسعيد أكثر أن الشعوب لا وصي عليها إلا نفسها.