جفرا نيوز - بقلم مهدي مبارك عبد الله
تصادف اليوم الأربعاء 2 تشرين الثاني الذكرى الأليمة الـ 105 لأكبر جريمة حصلت في القرن العشرين نجم عنها تشريد شعب بأكمله عن أرضه الاهي صدور وعد بلفور المشؤوم الذي بموجبه غرست بريطانيا الكيان السرطاني في جسد الام بعدما منحت الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين استجابة لرغبات الصهيونية العالمية على أشلاء ودماء الفلسطينيين وحقوقهم الذين تم طردهم قسرا من قراهم ومدنهم بقوة السلاح وإرهاب المجازر الدامية الموثقة وممارسة عمليات التطهير العرقي على يد العصابات الصهيونية بدعم بريطاني سياسي وعسكري ومالي كامل ومتواصل
لا زال أبناء الشعب الفلسطيني حتى اليوم يعيشون الويلات التي تتوارثها الأجيال جراء ذلك الوعد المخزي ففي الوقت الذي يعاني فيه اللاجئون في الخارج من ويلات البعد عن الوطن ويكابد أبناء قطاع غزة الحصار وجراح الحروب منذ 15عام والتي لم تلتئم بعد فيما يعاني سكان الضفة الغربية من هجمات عسكرية واستيطانية خطيرة أضافة الى ماسي سكان المناطق التي احتلت عام 1948 من التفرقة العنصرية والمعاملات الاجرامية السيئة
بريطانيا احتلت فلسطين عام 1917 خلال الحرب العالمية الأولى وفي 24 تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أيلول 1923 ومنذ البداية عملت على تسهيل هجرة اليهود واستجلابهم من كافة دول العالم وتنظيمهم وتقديم كل اشكال الدعم لهم وتمكينهم على الأرض تمهيداً لإقامة دولة إسرائيل اللقيطة في عام 1948
الإعلان الكارثي جاء على شكل رسالة بعثها في2 تشرين الثاني عام 1917 آرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا في حكومة ديفيد لويد جورج إلى ( اللورد اليهودي ليونيل والتر دي روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية ) بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات بين الحكومة البريطانية من جهة واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى حيث استطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق سياساتها وأهدافها والحفاظ على مصالحها الحيوية في المنطقة
رسالة العار هذه نصت في مضمونها على ما يلي ( تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جليًا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر
الحكومة البريطانية آنذاك عرضت الرسالة على الرئيس الأمريكي الأسبق توماس ولسون ووافق على محتواها قبل نشرها وبعد مرور عام أعلنت كل من إيطاليا وفرنسا موافقتها على الوعد ثم تبعتها موافقة أمريكية رسمية عام 1919 كما لحقت اليابان بهما في العام ذاته وفي 25 نيسان 1920 وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين وأن يوضع إعلان بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب
اليهود تمكنوا بخبثهم ودهائهم من استغلال الوقت والوعد وصك الانتداب وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 والقاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في 15 أيار 1948 وليحظى هذا الكيان المشوه بعضوية الأمم المتحدة بضغط من الدول الكبرى وبهذا الوعد المشؤوم تحققت العبارة الشهيرة التي تلخص ما حدث ( لقد أعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق ) ليصبح ذلك يوماً أسودَ في تاريخ الشعب الفلسطيني ولتظهر إسرائيل كأول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي تنشأ على أرض الغير وتلقى مساندة دولية جعلتها تتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية في عدة دول مجاورة
الذكرى الأليمة تتزامن مع جرائم الاحتلال المتصاعدة بحق الشعب الفلسطيني من قتل وتهجير واستيطان وهدم للمنازل وتدمير للمزارع والتنكيل بالأسرى وفرض الحصار الظالم وشن هجمات تهويدية مسعورة وغير مسبوقة على القدس والمسجد الأقصى المبارك فضلا عن سقوط آلاف الشهداء والجرحى وما زل الشعب الفلسطيني يدفع ثمن تداعيات هذا الاعلان سياسيا وماديا وإنسانيا وجغرافيا وغيره
الإحصائيات والأرقام الموثقة تؤكد أنه في وقت إعلان الوعد المشؤوم كان عدد اليهود في فلسطين نحو 5% من عدد السكان الأصليين وسجلوا في ذلك الوقت 50 ألف يهودي من أصل 12 مليونا منتشرين في دول العالم في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز الـ650 ألفا من المواطنين ليقلب هذا الوعد الموازين من خلال شطب حقوق الأغلبية المتجذرة في الأرض مقابل أقلية قدمت من الخارج عبر هجرات غير شرعية
بريطانيا ممثلة بملكها وحكومتها تتحمل المسؤولية الكاملة عما لحق بالشعب الفلسطيني من كوارث ومصائب وويلات وهي مدعوة اليوم من جديد للاعتذار ورفع الضرر الواقع على الشعب الفلسطيني نتيجة لهذا الوعد الاجرامي وتعويضه سياسيًا وماديا عن كل ما اصابه من نكبات ومعاناة ودعمه في نيل حقوقه في الحرية والاستقلال إضافة إلى ضرورة إصلاح لندن لخطيئتها السياسية والقانونية والأخلاقية التي لا تزال آثارها المدمرة مستمرة بالاعتراف بدولة فلسطين ذات السيادة المتواصلة الأطراف وعاصمتها القدس وبما في ذلك حق العودة للاجئين
حق الفلسطيني بأرضه ووطنه وعودته مقدس لم يسقط في الماضي بمؤامرة وعد بلفور ولن يسقط اليوم باتفاقيات الذل والعار التطبيعية والمطلوب مع هذه المناسبة إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس الشراكة الحقيقية وترتيب البيت الفلسطيني من خلال تحقيق الوحدة الوطنية كضرورة استراتيجية تستلزم العمل من أجلها من قبل كل مكونات الشعب الفلسطيني لبناء استراتيجية صمود ومقاومة للاحتلال الذي نتج عن هذا الوعد المشؤوم
الضرر الواقع نتيجة لهذا الوعد يتطلب تعويض الشعب الفلسطيني عن كل ما اصابه من نكبات ومعاناة ودعمه في نيل حقوقه وعودته الى ارضه بعد هذه الجريمة التاريخية النكراء التي ارتكبتها بريطانيا بحق الشعب الفلسطيني الذي ما زال يتجرع مرارة ما نتج عنها من قهر وتشريد ومعاناة إلى الساعة
رغم كل المؤامرات الدولية والاقليمية في الماضي والحاضر ستظل فلسطين أرضًا إسلامية وعربية وستبقى المقاومة الباسلة بكل أشكالها ( شعبية ومسلحة ) الخيارً الوحيد والمشروعً والضامن لاستعادة الأرض وتحرير القدس ومسجدها الأقصى وكافة المقدسات واستعادة فلسطين من بحرها إلى نهرها وهي التي أثبت جدواها ولا تراجع عنها كسبيل في الدفاع المشروع عن الثوابت الوطنية واسترداد الحق المسلوب وكنس الاحتلال عن الأرض المقدسة وفي نهاية المطاف فان أصحاب الحق يزدادون رسوخًا والاحتلال لا محال إلى زوال طال الزمن ام قصر
الشعب الفلسطيني أكد على مر التاريخ ورغم الكثير من المحطات الدموية المؤلمة والعديد من القرارات الباطلة والمؤامرات الدولية المتكررة تمسكه بوطنه واستعداده الدائم للتضحية وبذل الغالي والنفيس من أجل حريته واستقلاله ولا يمكن بحال من الأحوال أن يتخلى الفلسطينيون عن ذرة من ترابه وان حق العودة الى ارضه شرعي وقانوني ثابت ومكفول بالقوانين الدولية والقرارات الأممية ولا تراجع عنه ولا تفريط فيه أو مساومة عليه ولا يمكن أن تغيره كل الوعود والمواثيق والمعاهدات فالحق لا يسقط بالتقادم مهما تعاقبت الأجيال وطوى الزمان السنين
من الصروري في هذ الشأن التذكير بان استمرار صمت المجتمع الدولي وتهافت بعض الأنظمة العربية نحو مهزلة التطبيع مع الصهاينة لا يقل خطورة عن تصريح بلفور المشؤوم ونتائجه إن لم يكن التطبيع في الواقع ضربة أكثر تنكيلا بالشعب الفلسطيني الذي عانى ويعاني أشد الويلات تحت احتلال إرهابي واستعماري مجرم وعلى العالم مرة اخرى تحمل مسؤولياته في وقف معاناة شعب فلسطين وأن يتخلى عن سياسة الكيل بمكيالين ولا بد للدول التي تواطأت وساعدت على احتلال فلسطين من الاعتراف بخطئها وجريمتها التي ارتكبتها بحق فلسطين وشعبها
ذكرى وعد الخزي والغدر ستبقى تلطخ التاج البريطاني بالعار والذلة ولن تزيد الشعب الفلسطيني إلا تمسكاً بحقوقه المشروعة لتبقى هذه المناسبة الوطنية المنطلق لتجديد العهد بخيار المقاومة ومغادرة مربع الارتهان لما يسمى بالمفاوضات التي أثبتت فشلها طيلة العقود الثلاثة الماضية مؤكدة وأن ما يحدث من انتفاضة مشتعلة في الضفة المحتلة هذه الأيام أثبت للجمع وفي مقدمتهم الصهاينة أن الشعب الفلسطيني لن يرضخ وسيواصل الدفاع عن حقوقه بكل أشكال المقاومة ولا طريق لاستعادة الحقوق إلا بالدم والرصاص وفد آن الأوان لبريطانيا أن تعتذر للشعب الفلسطيني وتدفع ثمن جريمتها من خلال ملاحقتها والاستمرار في رفع الدعاوي القضائية ضدها ومطالبة المجتمع الدولي بمساءلة الاحتلال على جرائمه وتطبيق القرارات الأممية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية
لا يسعنا في الختام ونحن نرى جريمة وعد بلفور لا زالت مستمرة بحق الفلسطينيين في ارهابه و جرائمه على الارض الا توجيه تحية الاجلال والاكبار لأبناء الشعب الفلسطيني المرابط في القدس وغزة والضفة والـ 48 والشتات والمنافي على صموده وثباته وتصديه لكل المؤامرات والمخططات الاثمة التي تهدف إلى قضم هويته وتاريخه وتصفية وجوده وحقوقه الوطنية حيث اثبت هذا الشعب العظيم أنه رغم تعاقب السنين غانه في كل يوم يزداد ارتباطنا بحقه وإصرار على مقاومة عدوه وتمسكا بعودته
كما اننا في ذات الوقت ندعو أبناء شعوب الأمة العربية والإسلامية إلى نصرة القدس وقضاياها العادلة ومساندتها للوقوف في وجه المخططات الصهيونية الشرهة في هذه المرحلة الحساسة التي تتصاعد فيها جرائم وعدوانية كيان الاحتلال الإسرائيلي بحق فلسطين وأهلها
mahdimubarak@gmail.com