جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب - فادي المجالي
في خضم اوضاعٍ اقتصادية استثنائية لم يشهدها الاردن عبر سنين دولته التي بدأت مئويتها الثانية للتو، فالمديونية التي تشكل ما يفوق نسبة مئة وعشرة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي بملياراتٍ فاقت الخمسين، والبطالة التي أرهقت وأرّقت مضاجع الفئة الاكبر من السكان حيث ثلاثين بالمئة من الشباب وحملة الشهادات العليا يترنحون تائهين بين براثن البطالة يصبون غضبهم في قنوات التواصل الاجتماعي تارة وتارةً أخرى تراهم في مصيدة العنف المجتمعي أو ضحية للمخدرات أو بؤر الارهاب، وأمام نسب نموٍ ضحلة وغير مبشرة في السنوات العجاف الاخيرة وهروبٍ متكرر ولافت للعديد من الاستثمارات تُطل علينا الحكومة بمشروع قانون لتنظيم البيئة الاستثمارية أجمل ما يكون ان يوصف به بأنه مشروع "هزيل" لا يرق لحجم التطلعات ولن يكون قادرا على الوقوف امام ما نواجه من تحديات ولن يخدم في تنفيذ الرؤية الملكية للتحديث الاقتصادي.
لم يكتفي مشروع القانون الجديد بسحب معظم الامتيازات التي نص عليها القانون النافذ حالياً رقم ٣٠ لسنة ٢٠١٤ " على رغم شحها وقصورها وعدم جاذبيتها " و لاسباب قيل سابقا انها تتعلق بمعالجة اختلالات هيكلية تعتري القانون وتقتضي ارجاع هذه الامتيازات لقوانينها الأُم " الا انه أمعن في الضبابية وتشتيت المستثمرين وادخالهم في دوامة عدم اليقين وعدم الثقة بمستقبل استثماراتهم، اذ نص مشروع القانون بحسب المادة "١٢" على تشكيل لجنة ( الحوافز والاعفاءات ) للنظر في طلبات منح الحوافز والاعفاءات!! في الوقت الذي تتسابق فيه دول المنطقة على منح امتيازات وتسهيلات وتنص عليها بوضوح في قوانينها ومنها على سبيل المثال لا الحصر القانون المصري الذي خصص العديد من مواده للاشارة الى الامتيازات والتسهيلات وجملة الحوافز التي يستفيد منها المستثمر جاء مشروع القانون ليلغي معظم الامتيازات ويحصر قرارها بيد لجنة لم يشير على الاقل الى الاسس التي تمنح بمقتضاها هذه الامتيازات بل ترك لتلك اللجنة حقاً مطلقا بمنح او رفض اي امتيازات مطلوبة.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ما الذي سيدفعني كمستثمر لاتخاذ قرار الاستثمار في الاردن على أمل ان تمنحني لجنة الحوافز امتيازات واعفاءات من شأنها ان تساهم في نجاح استثماراتي؟؟؟ بينما سأحصل على هذه الامتيازات بوضوح ومن اليوم الاول وبمقتضى القانون اذا ما ذهبت للاستثمار في مصر او تركيا او دبي مثلاً.
ثم ووفقاً للمادة رقم "١٥" من مشروع القانون التي ابقت على امتيازات اي مستثمر يوظف اكثر من ٣٠٠ عامل او يستثمر اكثر من خمسة ملايين اليس من السذاجة هذا التميز في بلد يقوم اكثر من ٩٦ بالمئة من اقتصاده على الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة !؟
ونحن في زمن الانتقال الكلي والفعلي لحياة الرقمنة والذكاء الاصطناعي فقد اغفل مشروع القانون الحديث عن مناطق تكنولوجية تعنى بتحفيز صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بما تشمله من أنشطة صناعة وتصميم وتطوير الالكترونيات ومراكز البيانات وتطوير البرمجيات والتعليم التكنولوجي وغيرها من الانشطة المكملة لتساعد المملكة للولوج الى تلك الصناعه، لكي لا نخسر الرهان على قطاع التكنولوجيا، الذي يشكل اعلى نسب نمو سنوية على اساس قطاعي ويدعم نمو الناتج المحلي، وهو يلعب دورا مهما في الاقتصاد و يدعم الاتجاه بتحويل اقتصاد البلاد إلى اقتصاد رقمي، ويجعل من الاردن مركزا رئيسا للتكنولوجيا مستقبلا.
ولتكون في مقدمة الدول الحاضنة للابداع والمبدعين ورواد الاعمال الذين لم يوليهم القانون أي اهتمامٍ يذكر، ذلك أن دعم رواد الأعمال و تهيئة بيئة صديقة وحاضنة ومحفزة لريادة الأعمال، وإزالة كافة العوائق بما يضمن تعظيم الإمكانات الاقتصادية لمنظومة ريادة الأعمال الأردنية ونموها، سيسهم في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية المستدامة، ويحد من الفقر والبطالة و يشكل مفتاح جذب للمزيد من الاستثمارات،وهذا ما تجاهله مشروع القانون تماما بينما اقرته الحكومة سابقا من خلال تبني "السياسة العامة لريادة الأعمال والخطة الاستراتيجية المحلية للأعوام 2021 - 2025"
على صانعي القرار ان يدركوا ان جذب الاستثمارات اصبح تنافساً شرساً بين الدول وأن المستثمر يتخذ قراره الاستثماري بالنظر لما سيحصل عليه بالمقابل من امتيازات تسهم في نجاح اعماله وبالنظر لسرعة الاجراءات وشفافيتها
واستقرار الدولة تشريعيا و ادارياً.
وعلى صانعي القرار ان يدركوا ان تحقيق نسب النمو المرجوة وخفض نسب البطالة وخلق فرص العمل لتحقيق تطلعاتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسة لن يكون الا بتأهيل الاردن كبيئة جاذبة للاستثمار بحق وبيئة أعمال ناضجة ومركزاً لاستقطاب الاعمال من كافة دول العالم ولعل تحقيق تلك الامنيات لن يكون الا من خلال قانون ينظم البيئة الاستثمارية قانون عصري وجامع ومنافس لقوانين دول الجوار ودول العالم وبخلاف الحديث عن قانون بهذا الشكل سيكون من الافضل استمرار العمل بالقانون الحالي حتى يُقّدر لنا صياغة قانون جامع و جاذب للاستثمار .
* رئيس جمعية سيدات ورجال الاعمال الاردنيين المغتربين fadi.majali@gmail.com