جفرا نيوز - كتب د.منذر حوارات
في ظل حالة من عدم اليقين الجيوسياسي و مزاج مرهق من الحروب وويلاتها يصل الرئيس بايدن الى المنطقة العربية لوضع قواعد جديدة تخدم استراتيجية الولايات المتحدة في حروبها القادمة والمتوقعة مع روسيا والصين وإيران فبعد أن فقدت جغرافيتها السياسية أهميتها بالنسبة للأمريكان وبدأوا يفكرون ملياً بتقليص تواجدهم فيها أو حتى الانسحاب منها هاهم يدركون فجأة أن مياهها ومضائقها البحرية ومنافذها البرية قد تشكل طوق نجاة للخصوم ولكنها في نفس الوقت قد تكون القيد الذي يلف أعناقهم ، أما النفط الذي كاد يصبح في لحظة ما بلا قيمة بالنسبة للأمريكان يتحول فجأة إلى أهم وسيلة للفوز بالمواجهة الحاصلة مع روسيا إذ بدونه لا سبيل لخنق الاقتصاد هناك وبدونه ايضاً لا يمكن قطع شريان الامداد عن الآلة العسكرية لبوتين أما بالنسبة للصين فإن نفس النفط الذي اعطى للدولار الأولوية ذات يوم في تسيد عملات العالم قادر الآن على جعل اليوان الصيني عملة قابلة لتداوله وبالتالي ندخل في إطار جديد لصراع العملات بالإضافة لصراع النفوذ .
رغم الحاجة الملحة للمنطقة يدخلها الرئيس بايدن كالفاتحين وبعنجهية لا حدود لها بمجموعة لا تنتهي من الشروط تبدأ بتصنيف الدول حسب الهوى الأمريكي ( والإسرائيلي ) وما تمليه لوبيات تمارس أقصى أشكال الابتزاز على دول المنطقة مستغلة ما تقول عنه حقوق الانسان وهذه بالذات تتحدد اهميتها فقط بالمصلحة الامريكية المحضة إذ تعلو في حين وتخبو تماماً حيناً آخر حسب مقتضيات الحاجة والمصلحة الصرفة إنما لا ضير من إغراق المنطقة بشعارات تفقد قيمتها عند أول منعطف استراتيجي ، وفي كل المرات السابقة اغرقت الأمم الكبيرة المنطقة بحروبها وصراعاتها ومصالحها ولم تستفد دولها إلا الخراب وويلات الحروب وما نتج عنها من استبداد وفقر أدى الى ما نحن فيه الآن ، وأمريكا كانت طرفاً رئيسيًا في كل ما مضى وسبباً أساسياً لما نحن فيه .
أما الآن والسيد بايدن يريد وضع قواعد جديدة للعبةٍ يحارب فيها روسيا ويتصدى للصين ويوقف إيران فما الذي يجبر دول المنطقة على الانصياع له بعد أن ولى ظهره قبيل برهة قليلة لكل طموحات شعوب ودول المنطقة ؟ وهل بايدن وتحالفه المتوقع هو خيار المنطقة الوحيد ؟ وهل ينبغي ان نكون اعداء للآخرين حتى نرضي الولايات المتحدة ولماذا ؟ وهي تأتي وتساوم الدول على استقرارها الهش لا بل تحمل في جعبتها مشروعاً قد يؤدي الى جعل دولة هامشية ومحتلة ( إسرائيل ) قائدةً للمنطقة وسيدةً لمجالها الجوي والبحري لماذا وما الثمن الذي يمكن أن تدفعه الولايات المتحدة ودولة الاحتلال في سبيل ذلك ؟ خصوصاً أن مجالات التحالف باتت مفتوحة على مصراعيها أمام الدول العربية مع قوى دولية عديدة يمكن من خلالها ضمان أمن المنطقة بواسطة جيوشها ومنظوماتها الوطنية بعيدة عن هيمنة الولايات المتحدة أو دولة الاحتلال .
بعد ما ذُكر اعتقد ان زيارة بايدن للمنطقة تاريخية بمعنى الكلمة لأنها قد تكون نقطة إنطلاق لعلاقة متوازنة بعيدة عن الإملاءات فلدى المنطقة العربية من عناصر القوة ما يجعلها قادرة على المساومة على أدق التفاصيل وأول هذه التفاصيل هو استبعاد دولة الاحتلال عن اي منظومة أمنية تخص المنطقة العربية لأنها العدو وليست الصديق فمحاولة التغطرس الامريكي بوضع دولة الاحتلال كشرط أساسي في أي نقاش يجب أن ترفض فوراً فالطرف العربي ليس بموقع الضعيف هذه المرة فبايدن جاء مرغماً لا طوعاً أما محاولته زج الاطراف العربية في حرب مع إيران رغم كونها خطراً يهدد الأمن العربي لكن هذه الفكرة يجب أن تُنبذ فوراً ولنتذكر جميعاً أن الولايات المتحدة اذعنت دوماً للضغط الإيراني بمنع وجود أي طرف خليجي في المفاوضات النووية فلماذاً اذاً يستبعد العرب من نقاشات السلام وحين الحرب اول من يُزج به في أتونها ، أما القضية الفلسطينية فلا جديد بشأنها سوى بعض المظاهر البرتوكولية لذر الرماد في العيون .
لقد ذاق العرب مرارة الامريكان في أكثر من موقف وربما جاء الوقت للتخلص من تلك المرارة بصفقة تاريخية تسمح بوضع قواعد ثابتة تأخذ بعين الاعتبار مصالح شعوب المنطقة ودولها من منطلق مصلحة هذه الشعوب والدول بذاتها لا من خلال المصلحة المطلقة للولايات المتحدة ودولة الاحتلال فقط أعني مصلحة المنطقة بعيون المنطقة لا بعيون ( إسرائيل واللوبي الإسرائيلي في واشنطن ) إذا فعل بايدن ذلك (وطبعاً هذا لن يكون إلا بإستخدام الأدوات المتاحة لدول المنطقة وهي لأول مرة كثيرة ومؤثرة بشكل كبير ) حينها قد يكون هذا الرئيس قد قدم تنازلاً لكنه كسب جولة ربما تعيد لأمريكا مكانتها الاستراتيجية القوية من جديد وتضمن للمنطقة الاستقرار والهدوء ولو لبرهة قليلة من الزمن .