جفرا نيوز - كتب - عبد الحافظ الهروط
زيارة دائرة الاحوال المدنية والجوازات هذه الأيام، تأخذك الى انطباع بأن العمل العام إن لم يكن على هذه السوية العالية في تقديم الخدمة، وإلا فلا.
وبعيداً عن المجاملات والإشادات والتبجيل، فقد وجدت نفسي مضطراً، لأتخذ من الصديق الصدوق، المخلص في عمله على حساب صحته، مالك الخصاونة، سبيلاً للحديث عنه، مثنى وثلاث ورباع، ومادام على استقباله للناس بوجه وقلب وعقل الموظف المثالي المطلوب.
مثل هذا الكلام الذي قلته وأقوله الآن، وسأظل أقوله، بحق "(هذا)الدائرة المجهولة" وهو حقاً، بحجم وفعل مؤسسة وطنية، تخدم أكثر من دولة ودولتين وثلاث في وثائق رسمية، هو ما قاله، ويقوله بهذا الشخص، كثيرون زاروا دائرة الاحوال المدنية والجوازات، واستباحوا مكتبه.
أمس، وجدت نفسي خارج " المستبيحين"، فلم يكن مني ّ إلا أن أصافحه وأخرج ومن معي الى مكان الانتظار ، رغم إلحاحه الشديد عليّ، ولو لم أحرجه، لقلت : أأجلس مكانك يا صديقي؟ ومن يحتمل هذه المراجعات ومطالب بعضهم التعجيزية؟!
ازداد حرجاً، وأنا أنتظر رغم محاولاتي الصادقة بتفّهمي لمثل هذا الموقف، وأن للمكاتب سعتها وحرمتها، ولكن المفاجأة لي وللمراجعين الذين غمروا مكتب المدير العام والمكاتب المجاورة له ومكتب العلاقات العامة والاعلام، أن الباشا فهد العموش،
ظل يحمل أوراقاً يتجوّل بها من مكتب لآخر، وكلما أنهى معاملة، واقفاً، وقّع أُخرى، وأوعز باجراءات غيرها.
جميع الموظفين في "عجقة" واستنفار، رغم استخدامات التكنولوجيا الحديثة والتعليمات في تسهيل الاجراءات لإنجاز المعاملات، إلا أن للصيف احكامه، حيث يعود المغتربون الى بلدهم، وأجيال جديدة تصبح في عداد حاملي الوثائق على اختلاف استخداماتها واحتياجات أصحابها، وحالات الإصدارات والتجديدات لهذه الوثائق للأردنيين، وغيرهم من الدول الشقيقة والصديقة، كل يوم.
ظل "عطوفته" يجول، تاركاً مكتبه، تارة مع رجل مسّن، ومرة مع سيدة، وبين "هذا وهذه"، يرد على الهاتف، وينادي بإسم الموظف والموظفة لمتابعة أو إحضار هذه المعاملة، وتلك، حتى اذا ما همّ بالدخول الى مكتب العلاقات، ألقى السلام على الجالسين في مكان الانتظار ، فقام من شكره على الخدمة، فيما بقيت على مقعدي جالساً الى حين يخلو المكتب من المراجعين، وفيه واصل المدير العام مهماته لعدد من المعاملات، فوجدها الصديق الخصاونة فرصة لجذبي عنوة وإجلاسي الى يمين "الباشا".
فاجأنا شاب في مقتبل العمر، وقد دنا من المدير العام، طالباً منه تسريع معاملته، فقال للشاب " شو اللي يمنعك ما تصف مع المراجعين وتنتظر؟.. إحنا نسرّع خدمة كبار السن!.
كان المدير العام، وخلال تجواله بين المكاتب، يوعز للموظفين" كل رجل كبير أو سيدّة كبيرة ومعها أولادها .. مشّوهم ع السريع"، فضحكت سيدات ينكرن أعمارهن.
قارب الدوام من الانتهاء، فاتصل بموظفين يستفسر منهم أعداد الوثائق المنجزة وأعداد الذين لم تنته معاملاتهم، فاطمأن على سير العمل، ليأخذ قسطاً من الراحة، ونحتسي معاً القهوة التي بات تناولها مطلباً، ونبدأ بحديث، فيه ذكريات الاردنيين مع وطنهم.
فمنهم من هو قابض على جمره، ومنهم من لا يخرج من مكتبه، ومنهم من يتركه ويجول بين المكاتب وينزل الى الميدان، ذلك أن الوطن لا يحتمل المزيد من الكوارث والمصائب، والترهل الاداري.
ملاحظة: الفقرة الأخيرة من عندياتي، وخارج سياق الحديث الذي جرى مع "الباشا" الدمث في حديثه، ومع الصديق الخصاونة، الذي نتمنى أمثاله في كل مكان حكومي وخاص.
حفظ الله الاردن.