جفرا نيوز : محمد خروب
ثمَّة مؤشرات متزايدة على ارتفاع منسوب التوتر بين روسيا وحلف الناتو, على خلفية قرار ليتوانيا/العضو في الحلف, فرض قيود/حصار على حركة البضائع القادمة من روسيا باتجاه جيب كالينينغراد, المُلاصق لحدودها الجنوبية على بحر البلطيق, ما أثار موجة غضب روسية, سارعت موسكو بتحذير فيلنيوس/عاصمة ليتوانيا باتخاذ خطوات عِقابية «صارمة» ضدها, مُعتبرة ان خطوة ليتوانيا هذه غير المسبوقة هذه تنتهك كل القواعد.الأمر الذي يعكس من بين أمور أخرى مشهداً يشوبه التعقيد, يستوجِب الحذر الشديد خشية التدحرج باتجاه فتح جبهة جديدة, تختلف جذرياً عما حدث ويحدث في أُوكرانيا منذ 24 شباط الماضي, بما هو يوم بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة.
قرار ليتوانيا فرض «حصار» على كالينينغراد بذريعة تطبيق العقوبات التي فرضت على موسكو، ما كان له أن يتمّ لولا تلقّيها ضوءاً أخضر من واشنطن وليس فقط من بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، لأنّ الأولى كقائدة لحلف الأطلسي هي الأكثر حماسة لفرض المزيد من العقوبات, وافتعال المزيد من الاستفزازات لكرملين، خاصة بعد فشل العقوبات المالية والاقتصادية القاسية التي فرضتها على روسيا بهدف شلّ اقتصادها وانهيار عملتها، ناهيك عن التقدم المتواصل للقوات الروسية في الدونباس, رغم كلّ ما قدمته وما تزال دول الأطلسي وعلى رأسها واشنطن ولندن ووارسو، من أسلحة متقدمة كاسرة للتوازن تطال عمق الأراضي الروسية.
هنا يبرز على نحو لافت تصريح ناطق الخارجية الأميركية/نيد برايس الذي «أكّد» فيه دعم بلاده لـ"ليتوانيا» العضو في الناتو, في مواجهة «التهديدات» الروسية ضدّ فيلينوس التي فرضت قيوداً على البضائع التي تمرّ إلى جيب كالينينغراد الروسي، لافتاً إلى «تمسّك» واشنطن «الصلب» بالمادة «الخامسة» لميثاق حلف شمال الأطلسي, التي تنصّ على أنّ أيّ هجوم على دولة عضو في الحلف هو هجوم على «كلّ الأعضاء».. مضيفاً «نحن ندعم حلف الناتو..وندعم ليتوانيا» مُرحّباً في الوقت ذاته بتنفيذ هذا البلد الأوروبي «عقوبات» على روسيا، على خلفية «الغزو» الروسي لأوكرانيا كما قال.
وإذ بدأت موسكو عمليتها الخاصة في الدونباس يوم 24 شباط الماضي، أي قبل أربعة أشهر من الآن، فإنّ توقيت ليتوانيا فرض حصار على جيب كالينينغراد، لم يأتِ صدفة أو أنّ فيلينوس استفاقت الآن لتقوم بفرض حصار على الجيب الواقع على حدودها الجنوبية والمحاذي لشمال بولندا, الدولة الأكثر عِداء لروسيا والأشد حماسة «لإغراق» أوكرانيا بالسلاح, وهي التي لا تخفي رغبتها ضمّ غرب أوكرانيا إليها, كونها أراضٍ بولندية جرى اقتطاعها من بولندا إثر عمليات التقسيم «الأربع» التي تعرضت لها منذ نهاية القرن الثامن عشر.
ما يزيد المخاوف من احتمال فتح جبهة جديدة على الحدود الروسية, هو تزامن الخطوة الليتوانية مع طلب فنلندا والسويد الانضمام إلى حلف الأطلسي، ما يغلق بحر البلطيق أمام جيب كالينينغراد، الأمر الذي يسهم أيضاً في تقييد حرية أسطول الشمال الروسي, الذي يمنحه جيب كالينينغراد هامش مناورة أكثر اتّساعاً، خاصة أنّ بحر البلطيق شهد في الآونة الأخيرة مناورات بحرية عسكرية واسعة قام بها حلف شمال الأطلسي كما أسطول الشمال الروسي, على نحو بدا مقصوداً من الطرفين كرسالة وتحذير متبادلين.
كذلك لم تكن صدفة تزامن إعلان الرئيس الروسي/بوتين أنّ موسكو ستنشر بحلول نهاية العام الجاري صواريخ سارمات/الشيطان الباليستية عابرة القارات, والتي تمّ الانتهاء من اختبارها بنجاح, وقيل في تعداد ميزاتها أنّها قادرة على حمل أكثر من عشرة رؤوس حربية في الوقت ذاته، مع التوتر المتصاعد إثر قرار ليتوانيا فرض حصار على كالينينغراد, حيث كان سكرتير مجلس الأمن الروسي/باتروشيف قال: أنّ موسكو سترد في «أقرب وقت» على الحظر الذي فرضته ليتوانيا على عبور البضائع والسلع إلى هذا الجيب.
التوتر المُستجدّ الذي تسبّب به القرار الليتواني مُرشح للتصاعد حال لم تتراجع فيلنوس عنه، لأنّ موسكو لن تسمح بـ"خنق» هذا الإقليم الصغير لأهميته الاستراتيجية, لأنّه يعني تحويل بحر البلطيق إلى «بحر أطلسي", ما يمنح الأخير هامشاً أوسع وقدرة على مواجهة روسيا في منطقة المحيط المتجمد الشمالي, «المتنازَع» على ثرواته وممراته الواعدة بين الدول ذات العلاقة، وبخاصة روسيا,كندا والولايات المتحدة، إضافة الى الدول الإسكندنافية