النسخة الكاملة

الأردن والسعودية: نحو مرحلة جديدة من التكامل البناء

الخميس-2022-06-21 08:44 pm
جفرا نيوز -


جفرا نيوز- محمد المطلق الزعبي - الرياض 


مرت العلاقات الأردنية السعودية الأردنية بمراحل عديدة أملتها الأولويات السياسية والاقتصادية والأمنية في البلدين، حيث يمكن أن توصف تلك العلاقات بكافة مراحلها بأنها علاقات متميزة برعاية قيادتي البلدين الشقيقين. فقد أثبت الأردن خلال العقود الماضية أنه الحليف الصلب ليس للسعودية فحسب وإنما لدول مجلس التعاون الخليجي كافة، حيث كان حاضراً وبقوة في المنعطفات الاقليمية التي مرت بها المنطقة، ومسخراً امكاناته وخبراته من أجل تحقيق غايات دول المجلس لاسيما وأن العقيدة السياسية لصانع القرار الأردني كانت دائماً ما تقوم على ركيزة مفادها أن مصالح السعودية ومصالح دول المجلس الخليجي هي ذاتها المصالح الأردنية وأن الدفاع عنها لا يعدو عن كونه دفاعاً عن مصالح الأردن وأمنه واستقراره. أما السعودية فقد لعبت دور العمق الحقيقي للأردن بأبعاده السياسية والأمنية والاقتصادية، والمرتكز الأساس الذي ما انفك عن ادامة قدرة الأردن في أن يلعب دوره القومي الذي تمليه عليه المسؤولية التاريخية ويحتمه موقعه الجغرافي المجابه لفلسطين التاريخية التي تتعرض للأطماع الصهيونية والاعتداء على مقدسات العرب وأرضهم وثرواتهم، لا بل وعلى وجودهم. ويمكن القول أن البلدين قاما بلعب أدواراً جعلت منهما شريكين تحققت من خلال الشراكة مصالحهما على أفضل ما يمكن أن تتحقق تلك المصالح، والأمثلة على ذلك كثيره لعل أحدثها مبادرة السعودية لقيادة الجهود الخليجية، وبشكل عاجل، للحد من الوطأة الاقتصادية في الأردن والتي كادت أن تؤثر على الاستقرار السياسي والأمني فيه، وكان اندفاع السعودية وشقيقاتها الخليجيات مرده إلى إدراك كامل لدى القيادات السياسية فيها أن أردناً مستقراً هي مصلحة عليا لدول الخليج العربي ينبغي المحافظة عليها. وقد عبرت القيادة السعودية مرات عديدة، على لسان الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، عن سياستها الثابتة نحو الأردن ونظامه وشعبه والتي تتمحور حول القيام سعودياً بكل ما من شأنه تمكينهم من أن يلعبوا الدور التاريخي المنوط بهم.

يبدو واضحاً أن المتغيرات السريعة التي تعصف بالمنطقة تدفع القيادتين السياسيتين إلى تموضعات جديدة تقتضيها ضرورات الدفاع عن المصالح العليا للسعودية، وباقي دول الخليج العربي، وكذلك عن مصالح الأردن. ويبدو أن التقارب في النظرة الاستراتيجية للقيادة السعودية والأردنية من شأنها الدفع باتجاه مرحلة جديدة من التكامل البناء والمنتج بين الدولتين. ولعلنا نصيب كبد الحقيقة عندما نقول أن النهج في الحكم الذي يتبعه الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد يصب في تشكيل صيغة جديدة من العلاقة أو التكامل بين البلدين. فالنهج لدى الحكم السعودي يتميز بادراك أن على السعودية أن تمارس بنفسها دوراً محورياً قيادياً صلباً للدفاع عن المصالح العليا أمام القوى الاقليمية التي أرادت تحقيق مصالحها على حساب المصالح العربية. وفي إطار هذه المعادلة فإن الأردن حليف لا غنى عنه للدولة السعودية التي تتقدم بخطوات راسخة لتقود العرب في هذه اللحظة التاريخية الصعبة. أما نهج الحكم الأردني فيدور حول ضرورة نسج تحالفات إقليمية لضمان استقرار البلاد والاقليم، وليس هناك بديل عن الحليف السعودي الذي تتطابق معه بالأهداف ولا تختلف عنه كثيراً بالوسائل. ولا بد من الاضافة هنا أن شخوص القيادة السياسية في البلدين والمتمثلة بالملك سلمان والأمير محمد في السعودية، والملك عبد الله الثاني بن الحسين في الأردن يشكلون عناصر عز نظيرها في القدرة على وضع الرؤى والسياسات والاشراف على المؤسسات القائمة على التنفيذ. وهنا لا بد من الاشارة إلى أن أدبيات الحكم والادارة على المستوى العالمي ما انفكت تبرز بإعجاب إنجازات الأمير محمد في الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي في السعودية في فترة تعتبر وجيزة. وكذلك الأمر بالنسبة للملك عبد الله الثاني الذي تجلى فكره الراقي في الاصلاح في الأوراق النقاشية حول السياسات التي أطلقها مؤخراً لتكون الأفكار المضمنة فيها رائدة الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في الأردن. ولا نبالغ عندما نقول أن المنهجين في الاصلاح الجاري في البلدين يكادان أن يتطابقان في إشارات واضحة إلى أن فكر الاقتصاد السياسي في البلدين هو ذات الفكر، وهذا يجعل صياغة مرتكزات العلاقة المستقبلية بين البلدين في غاية اليسر والبساطة. ومن الممكن أن تدور هذه المرتكزات في تكامل البلدين المستقبلي البناء حول الأمور التالية:

أولاً: يبدو واضحاً أن البلدين متفقان على أن الصراع العربي الاسرائيلي ودعم الشعب الفلسطيني لاستخلاص حقوقه المسلوبة في الأرض والمقدسات وحقه في إقامة دولته على التراب الفلسطيني تقف على رأس الأولويات، ويجعل الموقع الجغرافي من الأردن رأس الحربة في هذه الجهود وخصوصاً فيما يتعلق بالحفاظ على المقدسات في وجه التخطيط الصهيوني للإعتداء عليها وانتزاعها وتغيير هويتها. إن الوزن الكبير للسعودية كزعيمة للعالم الاسلامي والاحترام الذي تتمتع به عالمياً كفيلان بدعم الجهود الأردنية في التصدي للأطماع الصهيونية ودعم الشعب الفلسطيني لانتزاع حقوقه التاريخية في وطنه فلسطين. ولا بد من الاضافة هنا أن دولة اسرائيل عملت على برنامج تسلح نووي وتقليدي يهدد أمن الشعوب العربية كافة ويبدو أن الفكر الاستراتيجي للقيادة السعودية يأخذ هذا التهديد على محمل الجد وأنه عازم على الاتيان بخطط تحد من هذا الخطر، ولا بد من دعم السعودية في هذا المجال!

ثانياً: تعتقد بعض القوى في المنطقة، وخصوصاً ايران، أن الظروف الاقليمية مؤاتية للتوسع على حساب العرب ومصالحهم وقامت إما مباشرة أو عن طريق أدوات متنوعة لها بالتمدد بشكل لا يمكن قبوله في المنطقة ويشكل خطراً قومياً لا بد من التصدي له وتحجيمه، ولا بد من التخطيط العربي المشترك للتغلب على هذا الخطر بما في ذلك ما بين السعودية والأردن. ويذكر هنا أن الملك عبد الله الثاني كان قد تنبأ بهذا الخطر ووصفه قبل سنوات بخطر الهلال الشيعي. إن التعايش السلمي في المنطقة يقتضي أن تنكفئ ايران إلى داخل حدودها وأن تكف عن التلاعب بأنظمة عربية من أجل تحقيق أهدافها التوسعية. وكما هو بالنسبة للتسلح الاسرائيلي، فإن التسلح الايراني وخصوصاً ذاو الطابع غير التقليدي مصدر قلق لا بد من تحييده بمختلف الطرق، وهنا أيضاً فإنه من الأهمية بمكان تقديم الدعم الممكن للسعودية في هذا المجال!.

ثالثاً: إن مصالح العرب واحدة والأمر يقتضي أن تعمل جميع الدول العربية بشكل منظم ومنسق وفي بوتقة منظمات العمل العربي المشترك، وخصوصاً مجلس التعاون الخليجي، ولا بد أن تدرك الحكومات العربية أن التغريد خارج السرب له نتائج وخيمة على الجميع وأن الظروف الخطيرة المحدقة بالأمة لا تحتمل الخروج على الثوابت، وهنا لا بد من أن يعمل الجميع على الدفع باتجاه الاصطفاف خلف السعودية التي ندبت نفسها وإمكانياتها للدفاع عن المصالح القومية العليا.

رابعاً: يمر الأردن بظروف اقتصادية غاية في الصعوبة لها أسباب كثيرة فاقمها الصراعات في المنطقة وطوفان اللاجئين السوريين والعراقيين والفلسطينيين الذين تدفقوا للبلاد من جراء الظروف السياسية والأمنية في بلادهم. لقد تسبب الصراع في الدول المجاورة للأردن في إغلاق معابر صادرات البلاد وتسبب ذلك في كساد اقتصادي غير مسبوق ومديونية عالية وفقر شديد لدى قطاعات واسعة يبدو أن الحكومات الأردنية تقف عاجزة عن التعامل معها دون عون اقتصادي حقيقي خارجي كمثل العون السعودي الاماراتي الكويتي الأخير، والذي جاء على إثر احتجاجات واسعة وخطيرة للمواطنين الأردنيين على تفاقم التردي الاقتصادي. والحالة هذه، فإنه لا بد من مأسسة الدعم الاقتصادي السعودي للأردن، ولقد أعجبني في هذا الاطار مقترحات محكمة لخصها المحلل الاستراتيجي السعودي الدكتور عبد العزيز بن عثمان بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث في مقال له في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 22 يناير 2013، لا زالت قابلة للتطبيق على الرغم من أنه نشرها قبل أكثر عشر  سنوات.

ما تقدم، خطوط عريضة يمكن أن تؤطر العلاقة الأردنية السعودية في المرحلة القادمة ليتمكن البلدان من حماية مصالحهما والارتقاء بمستوى شعبيهما وتمكينهما من تحقيق أهدافهما، والأمل معقود في هذا كله على حزم الملك سلمان ورؤاه، وعزم الملك عبد الله الثاني وحكمته، وحنكة الأمير محمد بن سلمان وجده.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير