النسخة الكاملة

صديقتي تخيفني

الخميس-2022-06-20 06:45 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - السلام عليكم ورحمه الله وبركاته،
أريد منكم أن تفيدوني وتوجِّهوني؛ فالتفكير أتعبني جدًّا، أنا لديَّ صديقات وقريبات لقلبي وأُحِبُّهنَّ في الله، ولكن ما استمعت إليه ورأيته في تجمُّع الفتيات في الآوِنة الأخيرة من حبٍّ في غير الله، وغيره ممَّا يُغضِب الله، أصبحت أتخوَّف أن حبِّي لهن كذلك.

بالرغم من أنَّني أنصحهن وأوجِّههن، وأيُّ مسألةٍ في الدين أقدِّمها، ولا نعمل ما يُغضِب الله وهنَّ كذلك - ولا أُزَكيهنَّ على الله - يَنصَحُونني ويُرشِدونني، ولكنِّي أصبحت أتخوَّف أنَّ قولي لهنَّ: اشتقت لكنَّ وأحبكنَّ، وغيرها من الكلمات الجميلة التي أشعر بأنها تُغضِب ربِّي.

وبالعلم أنني مُلتزِمة ومُحافِظة، ولكن أتعَبَني هذا التفكير، وأصبحت شيئًا فشيئًا أبتَعِد عن صديقاتي لهذا السبب، أنا لا أُرِيد أن أخسرهنَّ، لقد تعبت من التفكير.

أرشِدوني، وأفيدوني.

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

ومرحبًا بكِ عزيزتي في (الألوكة).

لا أُخفِيكِ تعجُّبي من رسالتك، وإعجابي بحرْصك على رضا الله وطاعته.

أعدتُ قراءة الرسالة كثيرًا، ولم أجد فيما قلتِه من علاقتك بصديقاتك ما يُثِير الخوف أو الغضب على مَحارِم الله، أنتِ لم تَذكُري لنا مِثالاً أو صورة من الصُّوَر التي وصفتِها بـ"حب في غير الله وغيره ممَّا يُغضِب الله"، لكن طلبتِ أن نُرشِدك ونُفِيدك حتى لا تَصِلي لما وصفتِه بـ"الحب في غير الله"، وعسى أن تحمل سطورنا في ثَناياها إجابات لتَساؤلاتك واستفساراتك.

بداية: ما هو الحبُّ في الله؟

الحبُّ في الله هو الحبُّ الخالِص من شوائب النفس وزَيْغ الهوى، فسبب حبِّي لشخصٍ ما هو اشتِراكي معه في حب خالد نابع من حبِّي لله ورسوله ودينه، يبدأ في الحياة الدنيا، ويمرُّ بيوم القيامة تحت ظلِّ عرشه - تبارَك وتعالى - كما في حديث السبعة الذين يُظِلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه الذين منهم: ((رجلان تحابَّا في الله اجتَمعَا عليه وافتَرَقا عليه))، وينتَهِي في الآخِرة على سرر مُتقابِلين في جنات النعيم.


أمَّا الحبُّ الماديُّ فهو الذي يكون لمصلحة دنيوية، أو شهوة خفيَّة، أو غرض في النفس، أو غيره.

فعلى سبيل المثال نحن حين نحبُّ شخصًا ما نحبُّه لرُوحه المؤمِنة النقيَّة التي تُؤمِن بالله، أو نحبُّه لجرأته في الحق، أو نحبُّه لصبره على الدعوة ومَشَاقِّها، أو لأخلاقه الحسنة وتعامُله الطيِّب... إلخ، فهذه الأسباب كلها نابِعة من حبِّي لله ورسوله ودينه.

 

أمَّا عن إخبارنا لأصدقائنا ومَن حولنا بحبِّنا واشتِياقنا لهم، فإن أحاديث الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أكَّدت ذلك في مواضع مختلفة ومتفرِّقة؛ فقد قال النبي - عليه أفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليم -: ((إذاأحبَّأحدُكمأخاه في الله فليُعلِمْه؛ فإنه أبقى في الألفة، وأثبَتُ في المودَّة))؛ حديث حسن.

 

وعن عبدالله بن عمر - رضِي الله عنهما - قال: "بينما أنا جالسٌ عند النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ جاءَه رجلٌ فسلَّم ثم وَلَّى عنه، فقلت: يا رسول الله، إنِّي أحبُّ هذا، قال: ((هل أعلمتَه؟)) قلت: لا، قال: ((فأعلِم ذاك أخاك))، فأتيتُه فسلَّمت عليه فأخذت بمَنكِبه وقلت: والله إني لَأُحبُّك في الله، وقال هو: وإني أحبُّك في الله، وقلت: لولا أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَرَنِي لم أفعل"؛ صحيح.

 

وعن مُعاذ بن جبل - رضِي الله عنه - قال: "أخذ بيدي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((إني لَأُحِبُّك يا معاذ))، فقلت: وأنا أحبُّك يا رسول الله، قال: ((فلا تدع أن تقول في دُبُرِ كلِّ صلاة: اللهم أَعِنِّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك))؛ حديث صحيح، فهنا الرسول - عليه الصلاة والسلام - هو الذي أخبر مُعاذًا - رضِي الله عنه - أنه يُحِبُّه، وعلَّمه دعاءً يدعوه دُبُرَ كلِّ صلاة.

 

إذًا؛ هو ليس حرامًا ولا يُغضِب الله، بل هو أمرٌ حثَّنا عليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأمَرَنا أن نُخبِر مَن نُحِبُّ بِحُبِّنا له، بل وأنَّ ذلك من مُوجِبات حبِّ الله لنا؛ ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة - رضِي الله عنه - : ((زار رجلٌ أخًا له في قرية، فأرصَدَ الله له مَلَكًا على مَدرَجتِه، فقال: أين تريد؟ قال: أخًا لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمة تَرُبُّها؟ قال: لا، إلاَّ أنِّي أحبُّه في الله، قال: فإني رسول الله إليك أن اللهأحبَّك كما أحببته)).

 

وأيضًا كما وَرَدَ في الحديث القدسي: "وجبَتْ محبَّتي للمُتَحابِّين فيَّ، والمُتجالِسِين فيَّ، والمُتزاوِرِين فيَّ، والمُتَباذِلِين فيَّ".

 

إذًا؛ فكلُّ هذه الأحاديث تُخبِرنا وتدلُّنا على أن الحبَّ بين الأصدقاء والأصحاب هو أمر محمود مندوب، إذا كان نابِعًا من حبِّنا لله ورسوله ودينه، ينصح فيه كلُّ واحدٍ الآخَر إن كان على خطأ، يدعو له بظهر الغيب، يَتعاوَنون على البر والتقوى والمعروف والطاعة، ولا ننسى أعظمَ مثالٍ على الصداقة والأُخُوَّة في الإسلام؛ وهي الصداقة والمحبَّة العظيمة التي كانَتْ بين رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبي بكر الصديق - رضِي الله عنه - وكان الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُخبِره بذلك، ويُخبِر أصحابه - رضوان الله عليهم - كما في تلك القصة حين جاء أحد الصحابة وسأَلَه: مَن أحبُّ الناس إليك؟ فقال: ((أبو بكر)) - رضي الله عنه وعنهم أجمعين.

 

عزيزتي، الإسلام دين رحمة ومودَّة وتسامُح، دينٌ اهتمَّ بالرُّوح والقلب كما اهتَمَّ بالجسد والعقل، هذا الدين هو الذي آخَى بين المهاجِرِين والأنصار وألَّف بين قلوبهم، وهو الذي أكَّد على الحب الذي يجب على الوالدين أن يهبوه لأبنائهم، فكيف يُعقَل أن نترك أصدقاءنا الذين نحبُّهم ونودُّهم لأننا نَخاف أن يُغضِب حبنا لهم الرب - تبارَك وتعالى - وهو الذي أمَرَنا على لسان نبيِّه - عليه الصلاة والسلام - بأن نُخبِر مَن نحبُّ بأنَّنا نحبُّه؟!

 

أختي الحبيبة، كما ذكرتِ فإنَّ صديقاتك صديقات خيرٍ؛ يُعِينونك على الطاعة، وينصحونك إن أخطأتِ، ويرشدونك للصالح من الأمور، فلا تتركيهن وحافِظِي عليهن، وتذكَّرِي أن حبَّكِ لهن يَزِيد حسناتك ويرفع درجاتك - بإذن الله - لأنَّ حبَّك لهنَّ خالص لله ونابع من حبِّك لله ورسوله ودينه، فتمسَّكِي بهنَّ واستمرِّي في صداقتكن، واترُكِي وَساوِس الشيطان والأفكار الخاطئة.

 

أسأل اللهَ أن يرزقك الهدى والتُّقَى والعفاف والغِنَى، وأن يجعلكِ صالحة مُصلِحة من عباد الله المهتَدِين، وتابِعِينا بأخبارك.