النسخة الكاملة

قصص النجاح تنشأ في ظل العدالة الاجتماعية

الخميس-2022-05-27 08:06 pm
جفرا نيوز -

جفرا نيوز - النائب زينب البدول

قصة الشاب علي الشجراوي التي عرضت أثناء الاحتفال الرسمي بعيد الاستقلال مؤثرة للغاية، وتحمل مضامين هامة تدعم روح الريادة وتؤشر لدور جلالة الملك في دعم الشباب وتمكينهم، كما تؤشر الى كفاح الطبقة الوسطى للصعود لتحسين أوضاعها المعيشية، ويمكننا إدراج بعض الملاحظات الهامة في سياق هذه التجربة الناجحة لشاب مكافح استثمر جميع إمكاناته وخدمته بعض الظروف لتحقيق حلمه خارج الوطن، لكنها تبقى في النهاية قصة نجاح خارج الوطن، وهي قصة فردية يبرز مقابلها مئات قصص الإخفاق التي مر بها طامحون؛ لم يتمكنوا من تحقيق حلمهم بالتميز والعيش الكريم.

في هذا الوطن فئات اجتماعية واقتصادية متعددة، ومصالح تحكم المسارات العامة لتلك الفئات، وقوانين وتشريعات وأنظمة وقنوات تتحكم في صياغة شروط النجاح والصعود، غير أن مسألة تكافؤ الفرص تضيع أمام نظام الواسطة والمحسوبية، حتى تضيق هذه الدوائر لتغدو في خدمة الأقلية أو النخب وحواشيها، وتصبح قصص النجاح الوطنية ذات طابع دعائي في الغالب، صحيح أن هناك قصص نجاح حقيقة تحققت في الوطن، لكنها جاءت في سياقات معقدة، ولم تكن شروط تحققها متاحة للجميع بعدالة ومساواة، وهنا يبرز الفرق بين الدول المتطورة التي تجعل شروط النجاح والتميز متاحة للجميع ضمن مبدأ تكافؤ الفرص، فيتمكن جميع الطامحين من تحقيق طموحاتهم وإبداعاتهم وذواتهم بشكل أو بآخر، ذلك أن السياق العام يكون عادلا وديمقراطيا لجميع الفئات، ويبرز دور الفروق الفردية وهي سمة طبيعية بين الأفراد ولا تثير أي نوع من عدم الرضا.

ومن جهة أخرى فقد تعرفنا إلى مبدعين أردنيين لم يتمكنوا من تحقيق طموحاتهم في هذا الوطن، بسبب مبدأ الواسطة والمحسوبية السائد حاليا، ومنهم من هاجر خارج البلاد بحثا عن بيئات تدعم الابداع وتؤمن بالإنسان، وهذه الحالة الطاردة للمبدعين الاردنيين تشكل خسارة كبيرة للوطن وأبنائه على مختلف الصعد.

إن التفاوتات في البيئات التعليمية والاقتصادية والثقافية داخل هذا الوطن وتفشي الواسطة والمحسوبيات، والتعقيدات البيروقراطية وآليات الفلترة التي تخلقها الفئات المتنفذة في المجتمع من شأنها أن تولد التمايزات والفروقات واللامساواة بين الأفراد، وها نحن نلحظ تفشي مبدأ التوريث السياسي في المواقع والمناصب الإدارية العليا، الى جانب وصول أشخاص غير أكفاء الى المواقع الادارية والاقتصادية والسياسية وانعكاسات تلك السياسات سلبا على الاقتصاد الوطني والتعليم والصحة وكافة القطاعات، كما نلحظ تفشي هذه الظاهرة وتوجيه الفرص الريادية للمحاسيب وتسجيلها كقصص نجاح نتلقى عليها الدعم والمنح ، فالمتنفذون لا يرغبون بأن ينافسهم أحد، ولا يرغبون بالتخلي عن امتيازاتهم ومنافعهم، كما يرغبون باستمرار تدفق تلك الامتيازات لأبنائهم وحواشيهم من بعدهم، لذلك نلحظ تراجعا كبيرا في القطاع التعليمي على سبيل المثال لا الحصر، وعدم قدرته على مواكبة التطور والتحديث، بسبب القوى المعيقة للتطور، ويتراجع النمو الاقتصادي والاستثمار لعدة اسباب من ضمنها السياسات التي ترسمها تلك الفئات المتنفذة، إذن يتولد الاحباط لدى الفئات الشبابية في الاردن بسبب ما ذكرنا.

لا ينبغي أن يفهم من خطابنا بأننا ننتقد أحد الشبان اللامعين الذين تمكنوا من تحقيق طموحاتهم بشكل فردي، لكننا ضد أن تتحكم فئة سياسية او اقتصادية بمفاتيح النجاح، فتقوم بتهيئة الظروف والامتيازات والبعثات من خلال إعادة إنتاج الهيمنة لصالحها والمرتبطين بها وقتل الطموح في نفوس الشباب الاردني، وخلق مزيد من التفاوتات بين مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية.
إن تحفيز الإبداع والمبدعين، يحتاج الى تعزيز شروط العدالة الاجتماعية، و الغاء التفاوتات واللامساواة بين مختلف الفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية، وتوفير الشروط الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية الكافية و الملائمة دون أي تمييز أو تقصير، ومكافحة الظواهر السلبية المعيقة للتطور الاجتماعي كالواسطة والمحسوبية والشللية والفساد الاداري، وذلك يكون أيضا من خلال ترسيخ الأدوات والممارسات الديمقراطية التي توفر مبادئ الحوكمة الرشيدة، وتعزز من الروح الفردية الخلاقة، وهذا الأمر ليس ببعيد لكنه يحتاج إلى رؤية وإرادة واعية تضع في اعتبارها مصلحة الوطن وأبنائه جميعا.