جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله
بداية يجب ان نعترف بان الضرائب هي جزء من حق الدولة على المواطن وهناك ضرائب مفهومة ومبررة كاستحقاق للمواطنة او مقابل خدمات لكن الغريب العجيب ان لدينا ضرائب عديدة لا يقبلها العقل ولا يحكمها القانون ولا يقرها الدستور واستمرارها يشكل حالة مزرية من الاجحاف والاستبداد غير المبرر
رسم التلفزيون ( الدينار ) مفروض بموجب ( نظام رسوم التلفزيون رقم 11 لسنة 1979) وهذا النظام صادر بموجب المادة (11) من قانون مؤسسة التلفزيون رقم 31 لسنة 1968 وقد قضت المادة ( 3 ) من هذا النظام يفرض رسم تلفزيون مقداره ( دينار واحد ) شهرياً يحصل بواسطة شركة الكهرباء من كل مشترك بالتيار الكهربائي مقابل الخدمات التي تقدمها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون أو من يقوم مقامها وعلى الشركة قطع التيار عن المشترك في حالة عدم دفع المستحق عليه أو أي جزء منه
التلفزيون الأردني انطلق بتاريخ 27 أبريل عام 1968 على يد مؤسسه الراحل محمد كمال وهذه الضريبة اقرت حينها للمساهمة في استكمال انشاء البنى التحتية والمرافق الضرورية لدعم عمل ومسيرة التلفزيون الا انها وبعد هذه السنوات الطويلة يفترض أن تذهب بعد الانتهاء من الغاية التي وضعت لأجلها حيث انتهت مبرراتها ودواعي بقائها مثلما يجب ان تزول أيضا اقتطاعات رسوم دعم الجامعات الحكومية بعد ان أنهينا تقريبا بناءها في معظم المحافظات
وكذلك رسم فلس الريف بعد وصول الكهرباء الى نسبة كبيرة جدا من مناطق المملكة بما فيها الريف والبادية ولهذا فالحكومة بحاجة الى اعادة جدولة الضرائب فكما ان امكانات الدولة محدودة فإن امكانات المواطن محدودة أكثر والمتصفح عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعند طرح خبر يخص مؤسسة الإذاعة والتلفزيون يجد معظم الأردنيين يتسابقون بالتعليق على الخبر بمطالبة الحكومة باسترجاع رسم الدينار الذي يقتطع للتلفزيون على فاتورة الكهرباء لعدم حاجتهم لمتابعة القناة كنوع من السخرية والتهكم وفق تعليقاتهم
رسوم التلفزيون ضريبة للدولة كبقية الضرائب العديدة والمتشعبة على المواطن تضاف الى فاتورة الكهرباء بمعدل دينار واحد شهريا ووفقا لبيانات وزارة المالية جنت الحكومة في العام الماضي 2021 نحو 25 مليون دينار من رسوم التلفزيون ومن المتوقع أن تجني العام الجاري 26 مليون دينار
وللمواطن الاردني الحق بمعرفة إلى أين تذهب مجاميع هذه الضريبة وعلى من تصرف مع وجود امتعاض كبير وعدم رضى لدى مشاهدي التلفزيون الأردني حول مستوى الأداء وتنظم إدارة الموارد المالية والبشرية وتحسين جودة الإنتاج ووضع الاستراتيجيات والاهداف التي تواكب المتغيرات والمستجدات في احتياجات قطاع التلفزة لتحقيق القدرة على المنافسة محليا واقليميا ودوليا بالتوازي مع الفضائيات العربية والأجنبية الأخرى
في كل مرة كانت مسوح وابحاث ( شركة ابسوس ستات الأردن للدراسات والأبحاث التسويقية ) تظهر تغيرات كبيرة في استطلاعات نسب مشاهدة الأردنيين لقناة التلفزيون المحلية حيث تقل تدريجيا وقد دلت الاحصاءات في العامين الأخيرين انها تزيد قليلا عن ثلث دافعي رسوم التلفزيون أي أن الثلثين المتبقيين يدفعون لتمويل التلفزيون ولا يشاهدونه كما أن موازنة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون تزيد في كل عام عما تحصله الخزينة العامة من الضريبة الشهرية للتلفزيون
والمفروضة على فاتورة كهرباء لكل منزل أو شركة او محل تجاري
حيث تغطي الإيرادات الذاتية للمؤسسة 20% من إجمالي نفقاتها في حين تغطي الموازنة العامة النسبة الأكبر 80% مما يتطلب من الحكومة مزيد من المراقبة على عملها وانفاقها وضرورة محاسبة المسؤولين في المؤسسة عن إدارة المال العام خاصة وان المؤسسة حتى اليوم لم تظهر تحسنا في أدائها ولم نشهد لغاية الآن تطويرا ملحوظا في التلفزيون ومستحق يوازي نسبة الدعم الحكومي الثابتة وذلك نتيجة الترهل حيث يوجد نحو 1800 موظف يفتقر اغلبهم الى الكفاءات الفنية في عدة مجالات من العمل
مؤسسة الإذاعة والتلفزيون كبقية المؤسسات الحكومية الاخرى من دخلها فهو آمن من الإقالة بغض النظر عن كفاءته او جهده أو حتى تواجده في مكان العمل فمن العاملين في المؤسسة من يعترفون ولكن ليس للنشر بأنهم لا يصلون المؤسسة سوى لاستلام أجورهم في نهاية الشهر ومنهم من يعمل يوم أو يومين أسبوعيا في حين يتقاضى أجر موظف بدوام كامل
للأنصاف قد تكون موازنة التلفزيون الأردني أقل من موازنات قنوات أخرى غير محلية وهو ما يبرر الضعف الفني من صفاء الشاشة والديكورات والكاميرات وغيرها لكنه لا يبرر باي حال ضعف مضمون البرامج ومعديها وإن كانت جهود تدريب وتأهيل الكادر الإعلامي لم تجدي فلماذا لا تستغل مخصصات بعض بنود الموازنة للاستعانة بكفاءات مؤهلة من خارج المؤسسة
الحقيقة المؤكدة ان الكفاءة البشرية ليست العامل الوحيد في تحديد جودة ومضمون برامج التلفزيون الأردني فلو توفر جدلا 80 إعلامي كفؤ هل سيتمكنون من العمل في تلفزيون وجد في الاصل لينطق باسم الحكومة ويجمل صورتها وبنشر رسالتها والحكومة من اجل تحقيق أهدافها تعمل على تأمين المواقع الحساسة في التلفزيون كمدراء ومحرري قسم الأخبار بالدرجة الأولى ويليها قسم البرامج حيث هامش الاستقلالية عن الحكومة يرتفع قليلا لكنه يبقى بصورة الشكلية الضيفة
التلفزيون الأردني كان متفردا بالشأن المحلي السياسي والإخباري قبل دخول فضائيات أردنية مثل الحقيقة الدولية ورؤيا وجوسات لتنازعه المنافسة على المشاهدين عبر تقديم نشرات إخبارية محلية وبرامج حوارية وسياسية واقتصادية واجتماعية هادفة ونوعية وهنا تجدر المقارنة بين موازنة رؤيا السنوية التي لا ربما تتجاوز المليون ونصف المليون مقابل 26 مليون للتلفزيون الأردني فضلا عن صعوبة منافسة التلفزيون ايضا مع الفضائيات العربية المتقدمة التي اصبحت تلبي حاجة المواطن الأردني في معرفة شؤونه المحلية بدقة وتفصيل ومشاهدة البرامج ومتابعة الاخبار والاحداث العالمية ليبقى يعيش التلفزيون الأردني واقع متعثر مقابل الدعم الحكومي المتزايد والأداء التقليدي الثابت
اسمحوا لي السادة القراء الكرام ان أطلعكم على وثيقة قديمة صادرة عن ديوان المحاسبة بتاريخ 7/6/2011 وتحت الرقم 13 11 3 9833 تتعلق بتصفيف شعر بعض المذيعات في التلفزيون ضمن عطاء خاص لهذه الغاية موجهة إلى وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال تقول ما نصه بلغت كلفة الخدمة المقدمة للفترة من 25/4/2009 الى 14/3/2011 مبلغ وقدرة 87000 دينار أردني تقريبا علما بانه كان يوجد آنذاك كادر من 6 موظفين معينين بوظيفة فني مكياج على كادر المؤسسة من اصحاب الكفاءة العالية و لا يقومون باي عمل في المؤسسة وان مثل هذا المبلغ كان شيساهم في حل جزء كبير من مطالبات الموظفين المستمرة بتحسين اوضاعهم المعيشية فما بالكم اليوم في عام 2022 كم بلغت قيمة الفاتورة يا ترى
للحكم على مضمون برامج التلفزيون الأردني فإن خطة المؤسسة وأهدافها هي المعيار والتي يجب ان تستند على الرؤية التي تهدف إلى تقديم اعلام وطن هادف يكرس حرية التعبير والرأي الاخر ضمن اجواء قائمة على الاستقلالية والحرية المسؤولة والتعبير عن الوطن بكافة فئاته واطيافه وعكس ارادته وتطلعاته اضافة الى ممارسة الاداء الاعلامي بصورة تستند الى الاحتراف المهني والتميز والمسؤولية
لن تجدي نفعا كل محاولات التغيير في ظل القانون الحالي للمؤسسة الذي ينص على أن مجلس إدارة المؤسسة مكون من تسعة أعضاء يعينون بقرار من مجلس الوزراء وهو الذي يضع الخطط اللازمة لتمكين المؤسسة من تنفيذ أعمالها بما فيها الخطة العامة لبرامج المؤسسة ودوراتها البرامجية بما يتفق مع السياسة الإعلامية المقررة والخطط الوطنية الإعلامية للدولة
في اكثر من تصريح وتعقيب قال العديد من المحامين ورجال القانون ان الخدمات التي تقدمها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون لا تنص على فرض رسم مقابل تلك الخدمات لا من قريب أو بعيد وبالتالي فإن السند الذي قام عليه ( نظام رسوم التلفزيون رقم 11 لسنة 1979) هو سند مخالف للقانون
كما ان المادة (111) من الدستور قد قضت بأن لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون وحيث أنه لا يوجد قانون يفرض رسم مقابل الخدمات التي تقدمها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون فبالتالي فإن الرسم الذي يتم جبايته تحت مسمى رسم تلفزيون هو رسم غير قانوني وغير دستوري مرة اخرى وان تحصيله مخالف للقانون وللدستور وما تم قبضه من أموال هو قبض غير مشروع وغير مستحق ومن واجب الدولة إعادته للمشتركين كما يحق لأي مشترك المطالبة به قضائياً وفق أحكام القانون وماذا عمن لا يمتلك جهاز تلفزيون اصلا
معظم التفاسير القانونية المتخصصة تشير الى ان نص المادة (3) من النظام بالإضافة كونه غير مبني على أساس سليم من القانون ولا يجيزه الدستور هو نص متعلق بالخدمات التي كانت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون تقدمها إبان عهد البث الأرضي حيث كان هذا البث هو البث التلفزيوني الوحيد تقريباً في المملكة أما الآن وفي عهد البث الفضائي فقد أصبحت القنوات التلفزيونية التي يمكن لسكان الأردن مشاهدتها هي قنوات لا حصر لها
وقد تكون حصة مشاهدة القنوات التي تبث عبر أثير مؤسسة الإذاعة والتلفزيون لا تكاد تذكر وقد تم الاستغناء عن هذه القنوات من قبل الكثيرين من المشاهدين الأمر الذي يفقد هذه النص من أسباب وجوده فالخدمات التي تقدمها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون تم الاستغناء عنها من قبل الكثير من المشاهدين ويضاف إلى ذلك أن القنوات التلفزيونية العالمية التي تبث عبر الفضاء والتي لا حصر لها الآن لا تتقاضي أي رسم مقابل الخدمات التي تقدمها فلماذا يجبر سكان الأردن على دفع رسم لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون على خدمات تم الاستغناء عنها وتوفرها لهم المؤسسات التلفزيونية العالمية بدون مقابل ما هي البرامج النوعية التي تقدم للمواطن من قبل التلفزيون الأردني حتى تستحق رسم ثابت
عدد من رؤساء وأعضاء مجالس إدارة سابقة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون قالوا صراحة ان التدخلات الحكومية السياسية والأمنية هي في مقدمة أسباب ضعف أداء التلفزيون الأردني حيث يرون ان تطوير التلفزيون يحتاج إلى قرار سياسي وليس قانوني ولا إداري وأن التلفزيون بوضعه الحالي لا يمكن شفاؤه ( الحل بحله ) وفي فترة ما كان هناك تفكير جاد بتحويله إلى قناة رياضية أو برلمانية أو معهد تدريب إعلامي والبدء من الصفر بإنشاء مؤسسة تليق بالدولة الأردنية وليس بالحكومات وتخضع لمعايير مهنية صارمة أن
خلافا للنماذج المختلفة لبث الخدمة العامة التي تكتسب استقلاليتها إما ماليا إداريا تحريريا فمثلا نموذج هيئة البث البريطانية تعتمد في تمويلها على تحصيل رسوم مباشرة ممن يشاهدون المحطة فقط أي أن من لا يشاهدها لا يدفع وبالتالي يعتمد بقاء المحطة على رضى الجمهور عنها وليس على رضى الحكومات كما أيد نواب البرلمان البريطاني مؤخرا مقترح يمنح الحكومة صلاحية عدم تجريم التهرب من دفع رسوم ترخيص البث التلفزيوني
المفاجئة اللافتة ان الدينار الذي فرضته الحكومة منذ عشرات السنين كرسوم تلفزيون على كل مشترك على فاتورة الكهرباء لم يكن يذهب لصالح التلفزيون الأردني بل إلى وزارة المالية وحديثا أصبح يحول إلى موازنة التلفزيون مباشرة وذلك حسب اعتراف أحد وزراء التنمية السياسية والشؤون البرلمانية خلال مشاركته في منتدى أقامته اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة قبل أعوام قليلة
موازنة التلفزيون الاردني على عكس معظم الضرائب والرسوم الأخرى يتم تمويلها من جيوب الموطنين مباشرة فقرائهم وأنجاءهم على حد سواء بصورة شهرية وليست سنوية لذا ان الأوان لوقفها وتخليص المواطنين من عبئها في ظل ظروفهم الصعبة حيث حاصر حياتهم الفقر والمرض والعديد من الضرائب والرسوم المجحفة وغير المبررة
mahdimubarak@gmail.com