جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله
بمجرد إعلان موافقة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية على قرار ترشيح توني بلير68 عام رئيس الوزراء الاسبق صاحب الشخصية المثير للجدل الذي كان في السلطة من 1997 إلى 2007 ضمن قائمة الشرف الملكية الصادرة في العام الجديد 2022 بمناسبة عيد الميلاد ونهاية العام والمؤهلين للحصول على وسام فارس رفيع الدرجة
هذا التكريم يعتبر تقليد روتيني معتاد لمن قدموا خدمات مرموقة للمملكة المتحدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يمنحون بموجبه أعلى لقب رسمي في البلاد لم يحصل عليه إلا عدد قليل جدا من اصحاب المكانة العالية والرتب الرفيعة وهو ما سيسمح لبلير حمل لقب ( سير توني ) يعفيه من مسائلات كثيرة وكذلك حصوله على لقب ( رفيق فارس ) كارفع وسام في الرباط وأقدم وأسمى وسام فروسية بريطاني وهو ( لقب تكريم شرفي تمنحه الملكة لرؤساء الوزراء السابقين حيث كان جون ميجر آخر الوزراء الذي حظوا به ) في حين لم يتم تكريم رؤساء الوزراء السابقين غوردن براون وديفيد كاميرون وتريزا ماي والذين جاءوا بعد بلير بهذا الوسام الرفيع الحصري بالملكة فقط حيث لا تتدخل فيه رئاسة الوزراء ولا تقترح الأسماء
اثار التكريم المتأخر جدا بعد 14 سنة لمن كان يفترض ان يعامل كمجرم حرب عاصفة جارفة من السخط والغضب اجتاحت معظم ارجاء بريطانيا بسبب منح بلير هذا الوسام حيث وقع مئات الالاف من البريطانيين على عريضة إلكترونية مليونيه بـ ( موقع تشانغ للعرائض ) أكثر من 800 ألف شخص خلال اربعة ايام من بدا الحملة تطالب بتجريد توني بلير من وسام الفروسية باعتبار مجرم حرب ( هناك حالات نادرة جدا تم فيها سحب اللقب من أصحابه خلال الـ 700 سنة الماضية فقط 40 شخصا سحب منهم اللقب من بين الآلاف الذين يتمتعون به مدى الحياة
وقد جاء في نص العريضة ان توني بلير تسبب في احداث ضرر لا يمكن إصلاحه لدستور المملكة المتحدة ولبنية مجتمع الأمة ذاته وهو يتحمل شخصيا مسؤولية مقتل عدد كبير من المدنيين الأبرياء والمشاركة في النزاعات المختلفة ولهذا وحده يجب محاسبته على ارتكاب جرائم الحرب
عادة العريضة التي يتجاوز عدد الموقعين عليها أكثر من 10 آلاف شخص تحصل على جواب رسمي من الحكومة سواء بالقبول أو الرفض أما لو تجاوزت 100 توقيع فإنها قد تحال إلى البرلمان الذي يفتح حولها نقاشا برلمانيا غير أن هذه العريضة بالذات لم يتم قبولها بموقع البرلمان مما يغلق الباب بفتح أي نقاش سياسي حولها خاصة وان الكثير من السياسيين يتجنبون الدخول في نقاشات حول قرارات الملكة واختصاصاتها منعا لأي صدام مع القصر
العريضة بصريح العبارة اكدت بأن توني بلير بالذات هو اخر واقل شخص يستحق نيل جوائز وأوسمة حكومية ودعت رئيس الوزراء البريطاني ( بوريس جونسون( إلى مناشدة الملكة إليزابيث لتجريد بلير من هذا الوسام ومحاكمته كمجرم حرب وان ما جاء فيها لا يعبر فقط عن رأي الموقعين عليها وانما يعبر بشكل عام عن توجه الرأي العام البريطاني ففي استطلاع عام اجري لمعرفة اراء البريطانيين حول منح الوسام لبلير جاءت نتائجه 63% قالوا انهم يرفضون منحه الوسام 41% قالوا انهم يرفضون بشدة و14% فقط قالوا انهم يوافقون أي ان الأغلبية الساحقة من البريطانيين غاضبون ومستاؤون من تكريم بلير وان موقف الراي العام البريطاني من بلير ليس جديدا ولطالما عبر عنه كثير من البريطانيين بالمطالبة بمحاكمته وليس منحه وسام فروسية لا يستحقه
تقرير لجنة التحقيق البرلمانية شيلكوت ( 2009 - 2016 ) ادان غزو واحتلال العراق عام 2003 الذي تم بناء على معطيات مخابراتية مغلوطة وانه لم يكن له مبرر وأن الحكومة لم تستنفذ كل الطرق السلمية من أجل تجنب القتال الذي كان خارج نطاق القانون الدولي وموافقةالأغلبية للتحرك العسكري وأن الأسس القانونية للتدخل العسكري البريطاني في العراق لم تكن مقنعة
وان بريطانيا بقيادة بلير أضعفت سلطة مجلس الأمن اضافة الى ادانة التقرير للدور الذي لعبه بلير حيث حملته مسؤولية ما جرى بعد الغزو وما ارتكب من جرائم راح ضحيتها مئات الآلاف الذين قتلوا ناهيك عما حل بالعراق من خراب ودمار وما حل ببريطانيا نفسها كذلك كما اتهمه بانه كان مجرد تابع للرئيس الأسبق جورج وانه وعده باتباع خطواته مهما حصل حتى قبل حرب العراق وسيظل اسم بلير مرادفا لإقحام بلاده في حروب خرجت منها بمئات الضحايا ( توفي 179 جنديا وعاملا بالجيش البريطاني خلال سنوات غزو العراق وقضى 457 في حرب أفغانستان )
قضية تكريم بلير بهذا الوسام الرفيع بعد مرور أكثر من عقد على مغادرته منصبه لها جوانب أخلاقية وقانونية وسياسية مهمة لا تهم بريطانيا فقط وإنما العالم كله امام ما ارتكبه من جرائم حرب دولية في العراق وأفغانستان وفيها رسالة مفادها تشجيع الساسة الذين يمتلكون نفس التفكير والنزعات الاستعمارية على الاستمرار في نهجهم وان أي مسؤول بمقدوره ان يرتكب ما يشاء من خطايا وجرائم وليس له ان يخشى العقاب في المستقبل بل قد يلقى التكريم بدلا من ذلك اضافة الى انها اعتبرت ضربة موجعة لا سر وذوي الضحايا البريطانيين الذين سقطوا في الحربين والذين لوحوا بأنهم سوف يعيدون الأوسمة الملكية التي حصلوا عليها كاعتراف بشجاعة أبنائهم احتجاجا على هذا القرار المرفوض
عام 2015 كشف وزير الدفاع البريطاني الأسبق جيف هون في كتاب أصدره ونشرت صحيفة ديلي ميل مقتطفات منه مؤخرا بأن بلير أمره بحرق مذكرة سرية بعد كشف محتواها تقول إن غزو العراق عام 2003 قد يكون غير قانوني وإن بلير وقع ( صفقة دم ) مع جورج بوش لدعم الحرب قبل عام عندما التقيا في نيسان 2002 في مزرعة الرئيس في كروفورد بولاية تكساس لمناقشة الحرب مع العراق ( هون وفتها وضع الوثيقة في خزنة بدلاً من حرقها ) بحسب زعمه
كما أكد وزير الخارجية الأمريكي الاسبق ( كولن باول ) لبوش بأن بلير سيكون معنا إذا استمرت الحرب واتهم هون المكتب الصحفي رقم 10 التابع لرئاسة الوزراء بالوقوف وراء تقارير سيئة السمعة بالغت في التهديد بشان الرئيس صدام حسين وامتلاكه أسلحة دمار شامل وإن بلير ضلل الوزراء والبرلمان والجمهور لدعم الحرب التي اعتبرها الكثيرون غير قانونية وجريمة وقد وصف بلير حينها اقواله بالهراء وادعى إنه كان يسعى لحل دبلوماسي
رغم كل هذا الجدل لم يخف بلير سعادته بحصوله على هذا اللقب واصفا إياه بالشرف العظيم معتبرا أن خدمته لوطنه كرئيس حكومة كان امتيازا كبيرا كما قدم الشكر لكل الوزراء الذين اشتغلوا في السياسة وفي الخدمة العامة وجميع قطاعات المجتمع لتفانيهم والتزامهم تجاه البلاد ولا زال الخلاف حول تكريم بلير يزيد من الضغوط على رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون ليقدم تعليقه على ذلك
توني بلير الذي اضطر الى الاستقالة من منصبه في سنة 2007 بعد تصاعد الاصوات المناهضة له داخل حزبه وخارجه لعدم الرضا عن اداءه كان أحد أكبر مجرمي الحرب في الألفية الثالثة وانه من اكبر قادة الارهاب الدولي وانه كان اكثر تشدد من جورج دبليو بوش في الحرب على العراق وحصاره وتجويع وقتل شعبه وتدميره بحجج كاذبة وواهية وقد هرول وركض بلهاث وراء كلام وسياسة واومر بوش وهو ما كبد الجيش البريطاني خسائر كبيرة في العراق وافغانستان وان دور بريطانيا ورئيس وزرائها في هذه الحرب كان ذيلي ومذل
الراي العام العالمي بصورة عامة والبريطاني والعراقي بصورة خاصة كان يطمح في ان تتم محاكمة بلير وقبله جورج بوش الابن كمجرمي حرب خاصة بعد ان تكشفت كل الحقائق عن دورهما السيء وعن كمية التضليل التي اعتمداها والحجم الهائل من الاسلحة المحرمة التي استخدمت في حروبهما وما تلا ذلك من قتل وتدمير وتعذيب في السجون ناهيك عن العدد الكبير من الضحايا الذين سقطوا جراء شن حرب مخالفة لكل قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الانساني
السياسة الاوروبية والامريكية المبنية على الفكر الاستعماري وتمجيد الوجوه التي تتبنى هذا الفكر وتمارسه لم ولن يتغير رغم كل حملات الاحتجاج التي اجتاحت العالم منذ عام 2015 والتي نتج عنها اسقاط وتحطيم تماثيل عديدة لأشخاص كانوا قد بدأوا فترة الاستعمار وتجارة الرقيق ( العراقيين كانوا اول من فعل ذلك عام 1958عندما حطموا تمثل جنرال مود الذي كان على راس القوات التي احتلت بغداد عام 1917 )
لكن يبدو ان على العالم الثالث ان ينتظر عقودا قادمة اخرى حتى يتم تصحيح المسار وحتى تصل الولايات المتحدة واوروبا الى قناعة بان ما ارتكبوه من افعال طوال الحقبة الاستعمارية وما تلاها هي جرائم حرب تستوجب الادانة والاعتذار والتعويض
ليس من المتوقع ان تنجح هذه الحملة في سحب او الغاء هذا التكريم وسحب اللقب لكن حقيقة قيامها تؤكد مدى الغضب الشعبي على سياسات رئيس الوزراء الاسبق بلير وهي بالتأكيد تظهر البون الشاسع بين المزاج الشعبي والسياسات الرسمية المنحازة للباطل وان اعتذار بلير السابق عن غزو العراق مرفوض من حيث المبدأ لأنه لم يخطئ فقط ولكنه ارتكب جرائم حرب ولابد أن يحاكم كمجرم حرب
لقد قدم بلير وعصابته الامريكية المجرمة الكثير من الأوهام المزيفة لتبرير الحروب على العراق ومنها الصور المزورة التي عرضها كولن باول على مجلس الأمن اذا هؤلاء ارتكبوا جرائم مع سبق الإصرار والترصد ومن غير المعقول بعد كل تلك الاعمال المشينة مكافئة احدهم بوسام الرباط بعدما كافئه جورج بوش الابن بعد استقالته من رئاسة حزبه ورئاسة الوزراء بتعيينه مبعوثا للرباعية الدولية لعملية السلام في الشرق الأوسط لاستكمال مهمته ودوره في محاولات تصفية القضية الفلسطينية
حين شخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والحالة الفلسطينية ب ( بمشكلة اقتصادية ) طالب خلالها بتحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين لان تحسين ظروفهم واوضاعهم الاقتصادية سوف ينسيهم امورهم السياسة مما يدعهم يغضون الطرف عن مطالبهم بتقرير المصير وحق العودة
من الطبيعي بعد كل ذلك ان يكون لسان حال البريطانيين الغاضبين اليوم هو كيف يمكن بعد هذه الإدانة ان يتم تكريم بلير على هذا النحو وكيف يمكن ان يصبح) مجرم الحرب فارس ) وأي نوع من الرسائل يحمله هذا التكريم
امام كل ما حصل عليه بلير وامثاله من اوسمة او تكريم يحب ان تبقى عملية متابعته مستمرة وان لا تتوقف ابدا حتى يتم احالته وكل مجرمي الحرب من اقرانه الى المحاكم المختصة احياء كانوا او متوفين وعسى ان يكون ذلك قريب وفي كل الأحوال في حكم التاريخ والقانون الدولي سوف يظل بلير وجورج بوش من أكبر مجرمي الحرب وان جرائمهما لا تسقط بالتقادم وإذا كوفئ بلير اليوم حتما أن للتاريخ كلمة أخرى سوف يقولها في يوم من الأيام ولابد من تقديمه للمحكمة الجنائية الدولية كمجرم حرب قذر
mahdimubarak@gmail.com