جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله
لطالما لفت العقيد الراحل معمر القذافي ( رئيس ليبيا وملك ملوك أفريقيا ) الانظار اليه في العديد من المؤتمرات والمحافل الدولية من خلال مواقفه الغريبة والطريفة وغير المفهومة في بعض الاحيان مع تكرار خروجه عن النص والتصريح بكلام لم يتجرأ بقوله قبله أي ( رئيس او حاكم عربي ) فلا ينسى العالم حين قام بكل استخفاف قبل عامين من رحيله في 2011 بتمزيق ( ميثاق الأمم المتحدة ) في عقر دارها بنيويورك بعد خطابه التاريخي الذي استمر لمدة ساعة و35 دقيقة عرض وبين خلاله الظلم الكبير والسياسات القهرية الذي تعانيها دول العالم الثالث الضعيفة من قبل مجلس الامن والامم المتحدة والدول دائمه العضوية القوية والمتحكمة بحق النقض ( الفيتو )
على ذات الخطى وبنفس الاسلوب مع اختلاف ( الاشخاص مكانة واعتبار والمواقف هيبة ووقار ) ظهر مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة المدعو ( جلعاد إردان ) يوم الجمعة الماضي 29 / 10 / 2021 امام العالم بعد إلقاء كلمته وهو يمزق ( تقرير مجلس الامن الدولي ) لحقوق الانسان بعدما اعتبره معاديا للسامية ومشوها لصورة اسرائيل واحادي الجانب قال ان مكانه ( سلة المهملات ) لأنه بزعمه تجاهل تماما حركة حماس وفصائل المقاومة وما تطلقه من صواريخ على إسرائيل لقد حاول اردان تمثيل دور البطولة المزيف في سيناريو سيئ الاخراج لـ ( تقليد ما قام به الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ) على منبر هيئة الامم المتحدة عام 2009
المدعو اردان هاجم كل ما ورد في التقرير السنوي لمجلس المنظمة الدولية بسبب انتقاداته واداناته الشديدة لإسرائيل حول الاوضاع الصعبة في غزة والاستمرار في بناء المستوطنات وحالة حقوق الانسان المزرية في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان السورية المحتلة وعدم مراعاة حق الفلسطينيين في العودة وتقرير المصير حيث ادعى المندوب الاسرائيلي ان مجلس حقوق الإنسان درج على مهاجمة وأدانه إسرائيل منذ إنشائه قبل 15 عام عبر 95 قرارا مقارنة بـ 142 قرارا ضد باقي دول العالم مجتمعة وفق تعبيره
وهنا نتساءل باستغراب هل يعتقد المندوب الاسرائيلي انه بأسلوب البلطجة والعنتريات والتدليس والكذب يستطيع ( اخفاء الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة للحقوق المدنية والسياسية للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة ) بوصف دولته قوة احتلال وهي الانتهاكات التي تدخل في نطاق اختصاص لجنة حقوق الإنسان بموجب دورها في متابعة مدى التزام الدول بأحكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تلك الجرائم التي تتناقض بشكل واضح مع احكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وغيره من الصكوك الدولية في مجال حقوق الإنسان بعدما باتت دولة الاحتلال تمارسها ( بلا استحياء او استخفاء ) وهي تستهين وتزدري منظومة ( حقوق الإنسان الدولية ) ولا تقيم لها أي وزن أو اعتبار
من المعلوم لدى اردان وغيره من ( النازيون الاسرائيليون الجدد ) إن اسرائيل كسلطة احتلال يقع عليها العديد من الالتزامات بموجب الاحكام المنصوص عليها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان واتفاقية لاهاي 1907 ( المواد 42-57 ) واتفاقية جنيف الرابعة 1949 ( المواد 27-34 و47-78 ) والبروتوكول الاضافي الاول لاتفاقيات جينيف بالإضافة إلى الالتزامات المقررة عليها بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1967
اسرائيل كدولة محنلة وبشكل دائم انتهكت العديد من الحقوق المدنية والسياسية للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وفيما يلي نسرد بعض الأمثلة ( اعتذر مسبقا عن الاطالة فيها لكنها لضرورة توضيح وبيان أشمل لبعض الحقائق )
عمدت اسرائيل منذ عدوانها على انتهاك الحق في حرية التنقل وفرض الحصار على الفلسطينيين حيث تقرر المادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بفقراتها الاربع أن لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل اقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان اقامته وحق مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده وحق العودة اليها كما انه لا يجوز تقييد هذه حقوق المقررة بهذه المادة بأية قيود غير التي ينص عليها القانون وتكون من متطلبات الحفاظ على الامن القومي ودون مغالاة او تعسف
رغم كل ذلك لا زالت اسرائيل تواصل الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عام 2006 الامر الذي ادى إلى تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لسكانه اضافة الى فرضها المزيد من القيود على حرية الحركة للغزيين من وإلى القطاع ما ادى إلى تدهور الاحوال المعيشية لما يقرب من 2 مليون نسمة في القطاع بحيث اصبح أكثر من 70% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الانسانية وأكثر من 38% منهم تحت خط الفقر مع ارتفاع معدلات البطالة لما يفوق 48.6% بالإضافة الى وجود العديد من الاسر التي تعيش بلا مأوى وعدم وجود تمويل لإعادة بناء الوحدات السكنية التي دمر بعضها او لحق بها أضرار شديدة خلال العدوان الإسرائيلي الاخير على القطاع عام 2021 ( معركة سيف القدس ) ولا زال الكثير ممن فقدوا منازلهم يعيشون في تجمعات ومخيمات كنازحين
امام كل ذلك ايضا لم يحدث حتى اليوم أي تغيير هيكلي في اجراءات الحصار والقيود المفروضة على السكان من خلال اغلاق المعابر وهو ما ادى إلى ارتفاع نسب النقص في السلع والاحتياجات الاساسية للسكان وخاصة الوقود ومواد البناء والادوية ورغم ذلك تزعم اسرائيل بـ ( وقاحة فجة ) قيامها بتسهيلات على حركة الافراد والبضائع من وإلى القطاع
أما في الضفة الغربية فقد استمرت القيود المفروضة على حركة المدنيين والبضائع مع استمرار فرض الحواجز العشوائية والفجائية في مناطق متفرقة من الضفة تعوق حرية التنقل داخل مدنها ما يؤدي استمرار فرض هذه القيود إلى حرمان السكان من العديد من حقوقهم مثل حرمان الالاف الطلاب من الوصول إلى مدارسهم او جامعاتهم وصعوبة تلقي العلاج بالنسبة للمرضى فضلا عن المعاملة اللاإنسانية للسكان الفلسطينيين على المعابر من قبل جنود الاحتلال
وفوق ذلك استمرت إسرائيل في بناء الجدار العازل والمستوطنات التي تحاصر التجمعات السكانية مما أدى إلى تناقص الرقعة الزراعية التي يمتلكها السكان مع استمرار مصادرة أراضي المواطنين في الضفة الغربية بصورة غير شرعية وهو ما كان بمثابة المظلة الواقية لارتكاب سلسلة واسعة من انتهاكات الحقوق الإنسانية للفلسطينيين على نطاق جماعي ويشكل فاضح من أنواع العقاب الجماعي
ولا بد ان نذكر هنا جرائم الاعتقال أو الاحتجاز التعسفي وسوء معاملة الاطفال وانتهاك الحق في المحاكمة العادلة حيث تلتزم الدول بموجب المواد 2 و9 و 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بأن تكفل توفير سبيل فعال للتظلم وعدم الاعتقال التعسفي وعدم حرمان أي فرد من حريته الا لأسباب يقرها القانون مع وجوب ابلاغه بأسباب توقيفه أو اعتقاله وتقديمه للمحاكمة بأسرع وقت حيث لا يجوز أن يكون ( الاعتقال أو الاحتجاز هو القاعدة العامة ) بالإضافة إلى الحق الاصيل لكل فرد في المحاكمة العادلة كما يجب التزام دولة الاحتلال بالمعاملة اللائقة للأحداث والتفريق في معاملتهم عن البالغين ووضع البرامج الاصلاحية لتأهيلهم
استخدمت إسرائيل سياسات الاعتقال الإداري القاسية على مدى عقود في الدوس على حقوق المعتقلين الفلسطينيين حيث تقوم بسجنهم داخل إسرائيل منتهكة بذلك القانون الدولي الذي يطالب باحتجازهم داخل الأراضي المحتلة وما يتبع ذلك من فرض قيود على قدرة اهاليهم على زيارتهم نظرا لمتطلبات إسرائيل بحصول الزائرين على الموافقات الأمنية وتصاريح الدخول لإسرائيل وقد تكرر قيام عدد من الأسرى الفلسطينيين بالإضراب عن الطعام احتجاجا على احتجازهم دون محاكمة وفقا لقواعد ( الاعتقال الاداري ) غير القانونية
بموجب ( اتفاقية حقوق الطفل ) التي إسرائيل كدولةٌ طرف فيها يجب عدم اللجوء إلى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه إلا كملاذٍ أخير ولأقصر مدةٍ مناسبة إلا ان الجيش الإسرائيلي يقاضي المئات من الأطفال الفلسطينيين في المحاكم العسكرية الخاصة بالقاصرين بناءً على أوامر عسكرية وغالبًا ما يتم ذلك بعد القبض عليهم في عمليات مداهمة ليلية وإخضاعهم للمعاملة السيئة على نحو ممنهج بما في ذلك وضع عصابة على العينين والتهديدات والاستجوابات القاسية بدون وجود محاميهم أو عائلاتهم والحبس الانفرادي واحتجازهم مع البالغين وإكراههم على توقيع اعترافات بالعبرية التي لا يفهمونها وفي بعض الحالات استخدام العنف الجسدي معهم بسبب مجابهتهم للقمع المستمر والوحشي الذي تمارسه قوات الاحتلال بإلقاء الحجارة فقط ناهيك عن محاكماتهم السرية خلف أبواب موصده ( لا يجوز قانونا إجراء المحاكمات سراً ) إلا في ظروف استثنائية فقط بموجب المعايير الدولية للمحاكمات العادلة
وفيما يتعلق بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة فقد كشفت بعض التقارير أن الجنود ورجال الشرطة الإسرائيليون وضباط جهاز الأمن الإسرائيلي اخضعوا المعتقلين الفلسطينيين بمن فيهم الأطفال للتعذيب ولغيره من ضروب المعاملة السيئة دونما ذنب ولا سيما عند القبض عليهم وأثناء استجوابهم وقد شملت أساليب التعذيب الضرب المتكرر والصفع وتكبيل اليدين والساقين والحرمان من النوم وإجبار المعتقلين على البقاء في أوضاع مؤلمة لمدد طويلة والتهديدات وقد وصل عدد الشكاوى التي قدمها محتجزون إلى المئات إلا أنه لم تفتح أي تحقيقات جنائية بهذا الخصوص وتعددت الشكاوى كذلك من استخدام الشرطة الإسرائيلية للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة ومواصلة اعتقال العديد من الفلسطينيين في مراكز الاعتقال والاحتجاز بصورة تعسفية يواجهون خلالها ظروف لا إنسانية ومعالمه سيئة وعنصرية
في قطاع غزة نظم الفلسطينيون قبل عدة شهور مسيرات سلمية مشروعة للمطالبة بحق العودة ووقف الجرائم الإسرائيلية التي تستهدفهم وقد واجهت إسرائيل هذه المسيرات السلمية بأبشع أنواع الممارسات العدوانية واستخدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي أسلحة محرمة دوليا كالرصاص المتفجر بهدف إحداث أكبر قدر من الإعاقات لدى المشاركين بمسيرات العودة كما مارست القتل العشوائي للمتظاهرين من خلال استهدافهم بشكل مباشر حيث يتضح ذلك من خلال الإصابات في الجزء العلوي من الجسد وتحديدًا الرأس والرقبة والصدر مما يدخل هذه الممارسات في عداد ( جرائم الحرب ) التي يجب أن يحاكم عليها القادة العسكريون الإسرائيليون والجنود الذين أعطوا الأوامر بقتل الفلسطينيين المتظاهرين السلميين
بالإضافة إلى كل هذه الانتهاكات تنتهك إسرائيل أيضا القواعد الخاصة بحق سكان الأراضي المحتلة في التعبير وابداء الرأي حيث تواصل اعتداءاتها على الصحفيين العاملين لدي وكلات الانباء المحلية والدولية العاملين في الأراضي المحتلة كما تقوم باحتجازهم واعتقالهم بتهم التحريض او ترحيلهم بالنسبة للمراسلين الأجانب كما تقوم بمصادرة الصحف واغلاقها حيث لاتزال تمنع طباعة بعض الصحف وإصدارها وتقوم أيضا بمنع بث العديد من المحطات الاذاعية بمبررات واهية ومختلفة
اذا يمكن قانونا واخلاقا وانسانية اعتبار الممارسات الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة تتنافي بشكل واضح مع ما اقرته المواثيق والأعراف الدولية الخاصة بالحقوق والحريات التي يتمتع بها سكان الاقاليم الخاضعة للاحتلال حيث دأبت القوات الإسرائيلية والمستوطنين بانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والاعتداء عليهم مع حرمانهم من ابسط الحقوق المعترف بها وهو حق( الحياة الكريمة والتنقل الحر داخل أراضيهم )
نقول للمدعو اردان انك برعونتك هذه تمارس ( المكارثية ) الجديدة في أسوأ أشكالها وصورها ضمن محاكاة خسيسة للتماهي مع الأساليب العنصريّة الإسرائيلية لكيانك الغاصب وبما يعكس فهمك القاصر وقراءتك السطحية للتاريخ والأحداث من خلال انحيازك الاعمى لدولة الابارتهايد ومحاولتك القاصرة لإخراج الحقيقة من سياقها المنطقي لان تقرير مجلس حقوق الانسان الدولي لم يخطئ بل ( اصاب كبد الحقيقة ) لكنه تحدث بأقل من نصفها عن القوائم الطويلة والكثيرة لجرائم القتل والحصار والتجويع والسلب والنهب والسجن والابادة والتمييز وغيرها من الممارسات الإسرائيلية المشينة بحق الفلسطينيين ووطنهم
ختاما اننا بكل فخر واعتزاز نحي في الموقف النبيل والشجاع والمشرف لهذا المجلس الدولي بانحيازه للحقيقة وانتصاره للمظلومين ورفُضه كل أشكال الترهيب والابتِزاز والغطرسة والتنمّر التي اعتادت على ممارستها اسرائيل في تهديد الدول والمنظمات العالمية
واننا نضيف على ما ورد في التقرير الاممي ( ضرورة المطالبة بفتح تحقيق دولي في الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل وقواتها العسكرية بحق الفلسطينيين وتقديم مرتكبيها للعدالة الدولية اضافة الى الوقف الفوري لأي أنشطة تتضمن فرض الحصار على الفلسطينيين أو إعاقة حريتهم في التنقل وكذلك انهاء إجراءات مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات والجدار العازل وإعادة الأراضي المصادرة لأصحابها ) الحق الفلسطيني ساطع ابلج ولا يمكن اخفائه بغربال الكذب والافتراء والتزوير
mahdimubarak@gmail.com