رغم أن أسمه كان مدوياً ليس في بلده الأردن فقط, بل على أمتداد البسيطة, حيث غطت شهرته مساحات واسعة من الكرة الأرضية, فإن المرحوم بأذن الله الدكتور عبد الحميد القضاة, ظل يتصف بتواضع العلماء الذين يزيدهم علمهم معرفة بالله فيتواضعون لخلقه, فأكسبه هذا التواضع هدوء وسكينة في الحركة والحديث أحسبها أمتداداً لسكينة النفس المؤمنة الراضية المرضية التي من الله بها عليه.
عرفت الدكتور عبد الحميد منذ نعومة أظافري, فقد كان من رواد مجالس والدي, لذلك كنت كلما أراه أتذكر سمة الأولين الصالحين من الإخوان, أمثال محمد سعد الدين خليفة, محمد اسحاق البنا, محمد علي خضر, زكي المصري ممن باعوا أنفسهم لله وتجردوا في دعوتهم التي كانوا يحملونها إلى الناس, قبل أن يحولها البعض إلى مطية تحمله إلى الناس, ابتغاء صيد دنيوي تعفف عنه عبد الحميد القضاة, فمن الله عليه بالهدوء والسكينة التي ما رأيته قط إلا متسربلا بهما، وكأن لهما تأثيراً أقوى من تأثير الصوت المرتفع والأعصاب المتوترة, من ذلك على سبيل المثال أنني كنت قد بدأت بنشر سلسلة مقالات توقفت عن إكمال نشرها على أثر إتصال هاتفي من الدكتور عبد الحميد لم يشر به إلى ما كتب, لكنه حدثني عن بعض الذكريات والمواقف فوصلتني الرسالة بأدب جم, كان أثره أشد من أثر الصراخ والعويل والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور مما يمارسه بعض من يحسبون أنفسهم دعاة.
برحيل الدكتور عبد الحميد القضاة خسرنا على مستوى الأردن, وعلى مستوى الأمة وعلى مستوى الإنسانية عالماً متميزاً, نال أعلى الدرجات العلمية من أرقى الجامعات بتخصصات دقيقة في مجال تشخيص الأمراض الجرثومية والأمصال وكذلك الفيروسات, مثلما نال درجة الماجستير في فلسفة العلوم الطبية, ومثلما تعلم الدكتور عبد الحميد في أرقى الجامعات, فقد علم في الكثير من الجامعات المتميزة من بينها كلية الطب في جامعة مانشستر البريطانية التي تعلم وعلم فيها.
لم يتوقف عطاء الدكتور عبد الحميد القضاة العلمي على التعليم الجامعي, فقد سجل بأسمه أكثر من براءة أختراع, كما كتب ونشر عشرات الكتب والأبحاث والمقالات العلمية, كما ألقى مئات المحاضرات, وعقد سيلاً من الدورات التدريبية والتثقيفية, خاصة في مجال وقاية الشباب من الأمراض المعدية المنقولة جنسياً, فنال الكثير من الجوائز العلمية.
رغم إنشغالات المرحوم بأذن الله الدكتور عبد الحميد القضاة العلمية, فإن ذلك لم يحول دونه ودون أن يكون عضواً فاعلاً في الكثير من الجمعيات والمؤسسات التطوعية والدعوية وفي مجالس إدارتها, مما يؤشر على حُسن تنظيمه للوقت, وحُسن استثماره له, وتلك من صفات المؤمن التي اتصف بها عبد الحميد القضاة رحمه الله.
Bilal.tall@yahoo.com