جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله
فيما يشبه قصة الفيلم الدرامي الأمريكي الشهير الخلاص من شوشانك The Shawshank Redemption الذي عرض لأول مرة عام 1994 حول ( قصة المصرفي آندي دوفرسن المحكوم عليه بالسجن المؤبد في سجن ولاية شوشانك والذي استطاع الهرب عبر نفق بدأ في حفره بمطرقة صغيرة منذ عامه الأول لينجح بعد عقدين من الزمان في تحرير نفسه )
سجل ستة أسرى فلسطينيين نصراً جديداً للمقاومة على الاحتلال الإسرائيلي في عمل بطولي نوعي خارق واستثنائي وجرئ وغير معتادة في تاريخ الحركة الأسيرة يضاف إلى إنجازاتها الكثيرة ومع خيوط الفجر ليوم الاثنين 6 / 9 / 2021 وبحدود الساعة 3:25 تمكن 6 أسرى فلسطينيين من الهروب من سجن جلبوع الإسرائيلي ( شطة سابقا ) شديد التحصين والحراسة عبر نفق بطول عشرات الأمتار قاموا بحفره في المرحاض في زنزانتهم
داخل الجناح رقم 2 الذي يقع قرب السياج الخارجي للسجن والذي استمر العمل فيه عدة سنوات إلى أن اخترقوا الأرض الخارجية للسجن من خلال فتحة دائرية صغيرة مكنتهم من الفرار بسلام واللافت في الامر أن بعض المزارعين العاملين في الحقول المحيطة بمنطقة السجن اكتشفوها قبل أيام إلا أنهم لم يكترثوا بها مما ( يكشف عن انعدام الخبرة لدى مدير السجن ) وهناك تخوفات اسرائيلية من تمكن الأسرى الستة من دخول مناطق السلطة الفلسطينية او قطاع غزة او التوجه الى الحدود الاردنية للوصول الى دمشق وجهتهم الاخيرة او تخفيهم ومحاولة تنفيذ هجمات انتحارية وعمليات خطف في داخل اسرائيل
أربعة من الأسرى محكومين بالسجن مدى الحياة ومضى على اعتقالهم 15- 25 سنة من بينهم الأسير زكريا الزبيدي قائد كتائب شهداء الأقصى الجناح المسلح لحركة فتح في جنين وعضو المجلس الثوري والمسؤول عن عملية إطلاق النار في بيت إيل عام 2019 وهو كاتب رسالة ماجيستير بعنوان ( كيفية الاختفاء عن اعين الاحتلال )
إضافة الى عدد من نشطاء حركة الجهاد الإسلامي منهم الأسير أيهم فؤاد نايف كمامجي من سرايا القدس والذي أدين بالمساعدة والتحريض على خطف الياهو أشري والأسير مناضل يعقوب إنفيعات الذي اعتقل في 2019 لإطلاق النار على مستوطنين إسرائيليين والأسير محمد قاسم الذي أدين بعملية قتل اسرائيلي والاسيران يعقوب محمود أحمد قادري ومحمود عبد الله علي عرادة المعتقلين بتهمة الشروع بقتل مستوطنيين
بعد نصف ساعة من عملية الهروب تم استدعاء العديد من قوات الجيش ووحدة خاصة من الشرطة والاجهزة الأمنية إلى مكان الحادث وبدأت إدارة السجن بإقامة نقاط التفتيش وباشرت عمليات البحث والمسح حول الموقع باستخدام المروحيات والكاشطات ( طائرات مسيرة للتصوير والمتابعة ) وهو ما احدث هزة شديدة وهزيمة كبرى للمنظومة الأمنية الإسرائيلية
تحقيقات السلطات الاسرائيلية الاولية تفيد بان الاسرى الفارين تلقوا مساعدة خارجية وهربوا وهم مسلحون وفي التفصيل الأبرز وغير المؤكدة الذي نقلته بعض الصحف إسرائيلية هو ان سيارات فلسطينية خاصة كانت بانتظار الأسرى قريبا من السجن لحظة هروبهم أقلتهم بسرعة إلى جهة غير معلومة ( عملية هروب الأسرى وقد أخذوا معهم أغراضهم وحقائبهم والسجانة في برج الحراسة نائمة فلم تراهم قال تعالى ( وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشينهم فهم لا يبصرون )
هذه الصفعة القوية شكلت ضربة أمنية قاصمة للجيش ولإدارة مصلحة السجون والمخابرات التي دائما يتغنى بها وايضا لكامل النظام في إسرائيل وهي دلالة واضحة على الإرادة الفولاذية التي يتحلى بها الأسرى الأبطال الذين استطاعوا أن يكسروا ويجتازوا كل هذه الإجراءات والتحصينات والعوائق البشرية والالكترونية ويتنسموا عبير الحرية في أكثر السجون تحصينا من وجهة نظرهم
سيما وان هذه العملية النضالية تزامنت مع الضربة القوية بقتل القناص الإسرائيلي برصاص شاب فلسطيني التي تلقاها الاحتلال على السلك الفاصل مع غزة قبل أسبوعين مما عمق الفشل الاسرائيلي في ظل عجز الاحتلال عن فرض شروطه في صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة
الخروج من النفق كان صفعة قوية لسلطات الاحتلال كما شكل انتصارا كبيرا لإرادة المقاومة ولصمود الشعب فلسطيني الذي يخوض معارك متعددة الجبهات سواء في قطاع غزة لكسر الحصار أو في الضفة الغربية المحتلة لمواجهة جرائم الاحتلال أو في داخل السجون لتحرير الأسرى الأبطال الذين يشكلون خط المواجهة الأول لغطرسة الاحتلال بما يعانون من كل أشكال الظلم والقهر والتنكيل داخل زنازين الاحتلال لكنهم اليوم وعبر عملية اجتياز كل الحواجز يؤكدون أن كل إجراءات الاحتلال لن تستطيع أن تنتصر على عنفوان الشعب الفلسطيني ولا على عزيمة الأسرى والاسيرات الفولاذية الأقوى والأصلب من ارادة السجان
سجن جلبوع الإسرائيلي هو جديد نسبيا ويقع في غور بيسان بجوار سجن شطة القديم ويعتبر جزءا منه وقد افتتح في نيسان 2004 ويتكون من خمس أقسام وفي كل قسم هناك 15 غرفة تتسع كل غرفة إلى 8 أسرى ويحتجز الاحتلال فيه أسرى فلسطينيين بتهم تنفيذ عمليات في داخل اسرائيل واصحاب الاحكام الطويلة والخطرين
مع بداية افتتاحه تم نقل مجموعة اعتبرت من النواة الصلبة للأسرى من كافة السجون مكونة من 70 أسيراً من مختلف التنظيمات ضمن مخطط اسرائيلي يستهدف عزل النشطاء من الأسرى في هذا السجن الذي يخضع لإجراءات أمنية مشددة ومعقدة بل ويعتبر حسب مصادر إسرائيلية السجن الأشد حراسة في السجون الإسرائيلية حيث شيد بإشراف خبراء ايرلنديين متخصصين
وهو أشبه بقلعة حصينة أٌقيمت من الإسمنت المسلح والفولاذ ويحاط بجدار ارتفاعه تسعة أمتار ويوجد في أعلاه صاج مطلي كبديل عن الأسلاك الشائكة التي توجد عادة في جميع السجون وقد ركب على جميع نوافذ السجن حديد تم تطويره بشكل خاص يطلق عليه " حديد نفحا " وهو عبارة عن قضبان مصنعة من الحديد والإسمنت لم يتمكن أحد في العالم حتى اليوم من نشرها وقد تم إدخال ( عنصر سري ) تحت أرضية السجن لا يسمح بالحفر وإن تم إخراج جزء من الباطون الذي يغطي أرض السجن يتحول لون أرضية الغرفة إلى لون آخر يشير إلى الحراس بوجود محاولة عبث وحفر
وهكذا يثبت الفلسطيني كل مرة أن إرادة المقاومة لا يمكن أن تقهر أو تهزم فهذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها الأسرى على تحقيق خطوة من هذا النمط ومن ابرز عمليات محاولة هروب الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية رغم أن أغلبها باء في النهاية بالفشل نظراً لنظام الحراسة والمراقبة المشدد فقد تمكن الأسرى الفلسطينيون في بعض الحالات من الهروب
بقوة الإيمان بفلسطين وبالنصر الحتمي على الاحتلال اختراق الاسرى الشبكات الحديدية الضخمة وأنظمة الاستشعار الحساسة وحفروا النفق الطويل في سجن جلبوع تعيدنا تلك الحادثة إلى الذاكرة ومحاولات الفرار السابقة التي كانت في كل مرة بطريقة مبتكرة تغلبت على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ومن بينها حادثة فرار الأسير السابق صالح طحاينة الذي انتحل في المرة الأولى شخصية أحد السجناء لينقل عام 1996 من سجن جنيد إلى سجن النقب بدلاً من سجن نفحة وهناك انتحل شخصية الأسير عامر زيود وتم الإفراج عنه بدلاً من الأخير ورغم ما يملكه الاحتلال الإسرائيلي من أحدث الأجهزة وتقنيات التجسس على مستوى العالم فقد فشل داخل زنازين سجونه في كشف مخطّط صالح طحاينة في عمليات التبديل بينه وبين الأسرى كما فشل مؤخرا في كشف عمليات الحفر والفرار من سجن جلبوع
لكن أكبر حادثة هزت السجون الإسرائيلية كانت حادثة الفرار الكبير من سجن غزة عام 1987 إذ تمكن أحد السجناء من الحصول خفية على نصف منشار استخدمه إلى جانب رفاقه طيلة أيام من العمل المستمر في قص شباك الأسلاك ثم استغلوا فرصة نوم حراس السجن وهربوا واحداً تلو الآخر وقد رفعت هذه الحادثة من معنويات الفلسطينيين الذين أصبحوا على يقين أكثر أنه يمكن التغلب على قوات الاحتلال الإسرائيلي بالصبر والارادة
ولم تكن فكرة حفر نفق تحت سجن جلبوع الأولى من نوعها فطيلة السنوات الماضية حاول الأسرى في السجون الإسرائيلية بلا توقف حفر أنفاق طويلة أحبطت أجهزة الأمن أغلبها
يوم 30 تموز من عام 1958 جرت أكبر عملية تمرد عرفتها السجون حيث أسفر التمرد عن فرار 68 سجيناً أمنياً وان معظمهم من خلايا الفدائيين الذين تم اعتقالهم سابقاً وكانوا خليطاً من الجنسيات العربية مصريين وسوريين وفلسطينيين وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ما قام به البطل الفدائي ” حمزة يونس ” الذي تمكن من الهروب من السجون الإسرائيلية ثلاث مرات ، الأولى عام 1968 والاخيرة عام 1973
وفي عام 1996 عمل أكثر من 16 أسيراً في سجن عسقلان على حفر نفق طويل من غرفتهم إلى خارج السجن وبينما أوشكوا على الوصول انتبهت إليهم أجهزة حراسة السجن بسبب الرمال التي أغلقت شبكة المجاري ورغم فشل الخطة حينها فإن إصرار الأسرى على تحدي أغلال الاحتلال أجبرهم على المحاولة مرة أخرى عام 1998 حين اجتمع أكثر من 24 أسيراً بسجن شطة لحفر نفق إلى خارج السجن حيث استمرت العملية عدة أيام وكادت ان تنجح إذ وصل بعض الأسرى بالفعل إلى خارج النفق لكن صوت المشي على الحصى أيقظ كلاب الحراسة فأعيد المسجونون إلى الزنازين من جديد
حيرة كبيرة في المجتمع الإسرائيل تتردد بلغة الاتهام للمسؤولين العسكريين والامنيين كيف حفر الأسرى هذا النفق تحت أعين السجانين وكيف تتوفر ادوات للحفر لديهم مهما كانت بسيطة في سجن يخضع لحراسة ومراقبة أمنية مشددة للغاية وفوق هذا ان السلطات الإسرائيلية كانت سابقا قد كشفت محاولات عدّة لهروب أسرى فلسطينيين من هذا السجن حيث اكتشفت إدارة السجن استناداً على معلومات استخباراتية وجود محاولة فرار عدد من الأسرى الفلسطينيين عبر نفق وأجهضت العملية
في الوقت الذي لا يمكن فيه للأسير أن يحمل أي شيء معه إلى غرفته حتى لو كان ملعقة فكيف إذن حفروا النفق وأين اختفت الرمال التي أخرجوها من الحفرة والتي لم يعثر عليها داخل السجن أو خارجه وهو أكثر ما يحيّر إدارة السجون الإسرائيلية ( ربما اخفيت داخل فتحات المجاري ) وايضا كيف أدار هؤلاء الأسرى مكالمات هاتفية مع اشخاص في الخارج من خلال غرفتهم التي يقف على أبوابها حراس على مدار الساعة
الفلسطينيين فضلاً عن توقهم للحرية ورغبتهم في التخلص من ظروف الاعتقال الوحشية يعتبرون تحدي السجان والفرار من المعتقلات ضرباً من ضروب المقاومة التي لا يجب أن لا تتوقف ورغم أن أغلبها يبوء في كثير الأحيان بالفشل فإن ذلك لم يثنِ الأسرى عن الاستمرار في المحاولة وآخرها حادثة الفرار من سجن جلبوع الناجحة جدا بكل المقاييس الامنية
على الاحتلال أن يفهم الدرس جيدا أن هذا الصراع طويل ومفتوح لن يستسلم فيه الشعب الفلسطيني أبد وان منطق القوة والإرهاب والقتل لن يفلح في كسر الإرادة الفلسطينية ولن يجهض السعي الحثيث نحو الحرية والخلاص من شر إسرائيل وسجونها واحتلالها حتى لو استمروا بانتزاع حريتهم من تحت الارض
بعد هذا الخبر المفرح لأبناء شعبنا الفلسطيني و أمتنا العربية والإسلامية وأحرار العالم نؤكد ان حياة الأسرى الستة في خطر لأن محاولة الاحتلال البحث عنهم مبنية على أسس إجرامية ممنهجة باغتيالهم للتغطية على فشلها الذريع فكل المستويات الأمنية في إسرائيل ستتفرغ للحث المجنون لكشف التفاصيل وإلقاء القبض على الأسرى الفارين ومن هنا فأننا ندعوا جماهير الشعب الفلسطيني وقواه الحية في الضفة الغربية ومناطق الـ 48 واي حدود عربية يصلون اليها لحماية هؤلاء الأسرى الابطال وتوفير الملاذ الآمن والسياج الحامي لهم واحتضانهم بعيدا عن اعين وملاحقات الاحتلال وجواسيسه كي يتمكنوا من العيش بأمان ليتابعوا نشاطهم في مسيرة النضال والثورة ضد العدو وادواته وان حماية هؤلاء الأسرى واجب مقدّس على جميع أبناء الشعب الفلسطيني والعربي
واخيرا وبكل الفخر والاعتزاز نبارك لشعب الجبارين هذا الانتصار و هذه الصفعة على وجه العصابات الصهيونية ونختم بالقول تحية النصر والشموخ ( تسلم تلك الأيادي الباسلة ) التي حفرت ذلك النفق المشرف وناطحت الاتربة الرمال ولا طمت الحجارة الصخور من أجل أن تبديد ظلام السجن والظفر بنور الحرية والخلاص في اجمل واروع شعور يعيشه الأسرى بانتزاع خروجهم من معتقلهم رغم أنف وغطرسة السجان الإسرائيلي المجرم والمستبد واذنابه
يارب الأرباب يا معتق الرقاب يا الله احم هؤلاء الرجال واحفظهم واحرسهم ونجهم وخلصهم وامكر لهم يا خير الماكرين لعباده الصالحين وابعد عنهم شر قوات دايتون واعوان التنسيق الامني آمين
mahdimubarak@gmail.com