النسخة الكاملة

فقر الأردنيين قدر أم سوء إدارة أم قرار

المهندس عادل بصبوص

الخميس-2021-09-05
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - المهندس عادل بصبوص
 
تصريح معالي وزير التخطيط والتعاون الدولي ناصر الشريده مؤخراً والذي قَدَّرَ فيه نسبة الفقر المطلق في المملكة بحوالي (24%)، أثار ردود فعل متباينة ما بين صدمة واستغراب من ارتفاع النسبة التي تعادل تقريباً ضعف ما كان سائداً قبل عقدين من الزمن، وبين رفض وتشكيك بدعوى أن مستوى الفقر الفعلي بين المواطنين حالياً يزيد عن ذلك بكثير 

لن نتوقف كثيراً عند النسبة التي ذكرها معاليه فذلك مجرد تقدير لا يمكن البناء عليه طالما لم يتم تدعيمه بدراسات علمية موثقة مثل دراسة مسح نفقات ودخل الأسرة التي تتردد الحكومة في اجرائها تخوفاً من نسب ونتائج صادمة قد تسفر عنها، لا تهمنا النسبة كثيراً فمؤشرات الفقر وعلاماته القاسية بادية في كل مكان نلمحها بسهولة في كل مكان ... في المدينة والقرية والمخيم، ما يثير القلق حقاً هو منحنى الفقر المتصاعد دون توقف منذ أكثر من عشرين عاماً برغم تعدد الجهات الحكومية وغير الحكومية التي تستهدف برامجها ومشاريعها الفقر بهدف التخفيف منه ومن تبعاته حيناً أو المكافحة والإزالة أحياناً أخرى 

تزدحم دروب الفقر الوعرة بكثير من المحاربين والمكافحين ففي الجانب الحكومي تتقدم الصفوف وزارة التنمية الإجتماعية ببرامجها ومشاريعها المختلفة كبرنامج الأسر المنتجة إضافة إلى صندوق المعونة الوطنية وصندوق التنمية والتشغيل، وصندوق الزكاة، وزارة التخطيط والتعاون الدولي التي نفذت برنامج حزمة الأمان الاجتماعي قبل عشرين عاماً ثم ألحقته ببرنامج تعزيز الإنتاجية الإقتصادية والإجتماعية الذي ما زال قائماً حتى الآن، أما على الصعيد غير الحكومي فهناك العديد من المنظمات والمؤسسات والجمعيات المحلية والأجنبية التي تعمل في هذا القطاع إضافة إلى العديد من الصناديق التي تقدم التمويل الصغير والميكروي لتنفيذ المشاريع الانتاجية وعلى رأسها صندوق إقراض المرأة الذائع الصيت.
 
تتعدد الجهات العاملة في مكافحة الفقر أو محاربته وتتنوع البرامج والمشاريع التي تنفذها، بيد أن النتائج على الأرض قليلة ومتواضعة .... هل هو الزحام الذي يعيق الحركة ... أم هو التضارب وانعدام التنسيق .... ام غياب الرؤية والافتقار إلى الأدوات والمنهجيات المناسبة بسبب استنساخ تجارب وممارسات دولية بعيدة كل البعد عن السياق والخصوصية الأردنية 

 أم كل ذلك مجتمعاً .... نحتفل بإطلاق المبادرات والمشاريع بكل الصخب والهرج والتهليل، ونتغنى بالخطط والمتابعة ومؤشرات القياس، أما اختتام التنفيذ فيمر بصمت وتعتيم فلا نتائج ملموسة تعلن ولا نجاحات نتغنى بها ولا يحزنون 

لا يقل عمر الخبرة المحلية في التصدي للفقر وآثاره عن ربع قرن، ومع ذلك تغيب قصص النجاح والممارسات الفضلى القابلة للتعميم باستثناء حالات فردية لا يعتد بها، فكل مرة نبدأ من الصفر وتبدأ التجارب والمحاولات في حلقة مفرغة ما زلنا ندور فيها منذ سنين طوال، تزداد البرامج والمشاريع ولا تتوقف معدلات الفقر عن الزيادة والتصاعد، ولا حلول ناجعة وكأن الموضوع لغز أو أحجية لا حل لها 

ندرك جميعاً أن الحل الجذري لمعضلة الفقر والبطالة هي في جلب الاستثمارات الخارجية وتنفيذ المشاريع الإنتاجية الكبيرة، التي تؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة، وبمناسبة الحديث عن فرص العمل الجديدة لا نستطيع أن نغفل أو نتجاهل مئات الآلاف من فرص العمل التي تشغلها العمالة الوافدة خاصة في قطاعي الإنشاءات والزراعة، وهي فرص عمل ذات مردود مالي جيد جداً مقارنة برواتب الوظائف المكتبية التي يقضي شبابنا سنوات طوال في انتظارها، "نعم" لوظيفة "محترمة" ومكتب مُكَيَّف حتى وإن طال الانتظار و"لا" كبيرة ومدوية لعمل ميداني يدوي حتى وإن كان العائد المادي مجزياً ...المهم الراحة والصورة الاجتماعية و"البريستيج" .... هذا هو لسان حال شبابنا العاطل عن العمل وهذا هو "قراره" 

لا شك بأن قضية الفقر ومعالجتها مشكلة صعبة ومعقدة وخاصة في بلد شاء له القدر أن يُبتلى بقلة الموارد وأن يكون قبلة للنازحين واللاجئين، ولكن العجز في مواجهة التزايد المستمر في أعداد الفقراء لا يدخل في باب الحظ أو القدرية وإنما هو فشل وإخفاق ... وسوء إدارة أيضاً.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير