النسخة الكاملة

الفلسطينيون وضرورات الحماية الدولية

مهدي مبارك عبد الله

الخميس-2021-09-05
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله

على مدى سنوات طويلة عانى الفلسطينيون من ويلات الحكم العسكري الاسرائيلي الذي كبل جميع مسارات حياتهم وحرمهم من ابسط مفاهيم الحرية والكرامة والانسانية كشعب يعيش تحت قوة الاحتلال ولا يجد سبيلا لمواجهة هذا الواقع المتوحش الا بالاحتجاجات والمظاهرات والمواجهات السلمية

خاصة بعد موت عملية السلام وانتخاب حكومة إسرائيلية يمينية اعلنت مرارا بأنها ليس لديها نية لمنح الفلسطينيين حقوقهم التاريخية المشروعة بتقرير مصيرهم واقامة دولتهم مما زاد من منسوب الغضب والسخط ضد السلطة الفلسطينية غير المنتخبة والعاجزة عن فعل أي شيء في مواجهة التوسع الاستيطاني واعتداءات المستوطنين على حياة الفلسطينيين والممتلكات ومواصلة الاعتقالات والقتل المتعمد بحجج زائفة

الحكومة الإسرائيلية قامت مؤخرا بالسماح للمتطرفين اليمينيين الذين يسعون لتدمير المسجد الأقصى بدخول مجمع الحرم الشريف وتدنيسه في ذات الوقت الذي تنكر فيه على الفلسطينيين الوصول إلى أماكنهم المقدسة مما ادى الى اشتعال موجة شعبية عنيفة من الاضطرابات والغضب عجزت جميع الاجراءات القمع الصارمة والقاسية عن اخمادها او السيطرة عليها بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين والهدم الفوري لمساكن الفلسطينيين الذين شاركوا في أعمال العنف حتى بات الفلسطينيون ليسوا آمنين في منازلهم ناهيك عن التهديدات الإسرائيلية بطرد الفلسطينيين من القدس مما يجعلهم بلا جنسية

الأرقام تتحدث عن نفسها في واحدة من جولات المواجهة التي وقعت بحلول منتصف أكتوبر الماضي قتل ما لا يقل عن 40 فلسطينيًا و 7 إسرائيليين في أنحاء الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية كما أصيب حوالي 2000 من الفلسطينيين و 67 إسرائيليًا بجروح وعلى اثر ذلك ادنتا كل من منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش الاستخدام المتعمد والمفرط للذخيرة الحية من قبل عناصر الجيش إسرائيلي ضد الفلسطينيين وقتل بعضهم خارج نطاق القانون

وفي الوقت الذي تركز فيه وسائل الإعلام الغربية إلى حد كبير على فقدان حياة الإسرائيليين فإنها كثيرًا ما تتعامل مع الوفيات الفلسطينية بأنها مجرد أرقام وإحصاءات الأهم من ذلك والمفقود في التغطية الإعلامية للعنف من الطرفين هو حقيقة أن هنالك جانب واحد فقط يحتل الجهة الأخرى

في ظل هذا الواقع المرير وغير العادل او المتكافئ هناك حاجة ضرورية وماسة جدا لوضع إطار قانوني دولي جديد يضع المدنيين الفلسطينيين وحقوقهم في الصدارة مع عدم وجود امكانية نهاية زمنية محددة للحكم العسكري الإسرائيلي في الأفق المنظور فقد حان الوقت وان الاوان لوجود آلية فعالة لإنشاء قوة حماية دولية تحافظ حياة الفلسطينيين وتحمي وجودهم

إسرائيل بوصفها قوة احتلال مطالبة بموجب القانون الدولي بضمان حماية المدنيين تحت حكمها بدلًا من ذلك تبنت إسرائيل أثناء احتلالها واستعمارها للأرض الفلسطينية الذي دام 48 عامًا سياسات مناقضة كليا لذلك النهج الدولي

جيلين من الفلسطينيين ولدوا وترعرعوا في ظل السيطرة العسكرية الإسرائيلية وبحلول عام 2014 بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية أكثر من 800 ألف فلسطيني بما في ذلك 8000 طفل دون سن 18 عام اعتقلوا منذ عام 2000 وحاليًا يقبع حوالي 5600 سجين سياسي فلسطيني في السجون الإسرائيلية في اوضاع معيشية ونفسية وصحية سيئة للغاية في قطاع غزة أضحى الجميع تقريبًا قيد الاعتقال

ورغم سحب إسرائيل مستوطنيها وقواتها من القطاع في عام 2005 لكنها حافظت على احتلاله وعززت حصاره خاصة بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) في الانتخابات في عام 2006 والآن تم تضييقه بشكل اكبر العدوان الاخير على غزة ومعركة سيف القدس التي اذلت وهزمت الجيش الذي لايقهر

في المقابل تفرض اسرائيل الحصار على مدن الضفة الغربية والقدس الشرقية بدرجة أقل من ذلك ففي الواقع ينحصر معظم الفلسطينيين في مدينة واحدة أو قرية واحدة في الضفة الغربي والأغلبية منهم لا يمكنهم الذهاب إلى القدس كما أغلقت غزة بالكامل في وجه الفلسطينيين في ابناء الضفة الغربية والقدس المحتلة

من الواضح جيدا أن السلطة الفلسطينية بشرطتها ومؤسساتها غير قادرة على حماية حياة الفلسطينيين بل على العكس من ذلك تتلقى قوات الأمن الخاصة التابعة للسلطة الفلسطينية التدريب والتسليح والتمويل من قبل الولايات المتحدة وأوروبا ومصادر دولية أخرى بعيدًا عن مسألة حماية الفلسطينيين ومواجهة إسرائيل والحقيقة التي يتداولها الكثير من الفلسطينيين ان قوات أمن السلطة الفلسطينية فعليا تحمي الجيش والمستوطنين الإسرائيليين من خلال ما يسمى بالتنسيق الأمني المشترك ولا يمكن لأجهزة السلطة الأمنية مساءلة ومراقبة او منع الاسرائيليين من دخول الضفة الغربية

مع كل ذلك واشنطن ومنذ سنوات تتشدق بحل وهي تعطله الدولتين حتى مع استمرارها بتسليح إسرائيل واستخدامها حق الفيتو في الأمم المتحدة لمنع أي تحرك دولي منسق لإنهاء الاحتلال أو محاسبة إسرائيل على أي من أعمالها غير القانونية عبر تعطيل ومنع تقديم رجالاتها المجرمين للمحكمة الجنائية الدولة وفي الوقت نفسه جعلت إسرائيل من حل الدولتين أمرًا مستحيلًا من خلال جهودها الحثيثة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وبناء البؤر الاستيطاني

محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية دعا في اكثر من مرة في خطاباته أمام الجمعية العامة الامم المتحدة لـ ( توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني ) رغم أن اقتراحه إنشاء قوة حماية دولية لن يخلو من مخاطرة متوقعة في مقدمتها ان قوة الحماية تلك إذا لم يتم تحديد معالمها وواجباتها بشكل واضح يمكن أن تنتهي بترسيخ سيادة الاحتلال الإسرائيلي بما في ذلك الجيوب الفلسطينية المعزولة التي خلقتها اسرائيل على مر السنين كما ويمكنها أن تخدم أولئك الموجودين في داخل حكم السلطة الفلسطينية والذين يروقهم الوضع الراهن حتى لو ادى ذلك الى قيام دولة بوليسية متشددة

لهذا السبب يجب أن تكون المطالبة بقوة الحماية ترتكز في الاساس على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي وعلى المبادئ الراسخة التي تم التعبير عنها في قرارات مجلس الأمن الدولي السابقة وتحديدًا قراري ( 242 و 338 ) اللذان يؤكدان على عدم جواز الاستيلاء على اراضي الغير عن طريق الحرب

وعلى الرغم من كل العقبات التي قد تعترض الطريق الا أن مقترح قوة الحماية الدولية أمر قابل للتنفيذ لشيء واحد وهو أن آليات تلك العملية تم تجربتها واختبارها من قبل في تيمور الشرقية في أواخر التسعينات حين وافق مجلس الأمن الدولي على تشكيل قوة حماية دولية مؤقتة ذات مسؤولية كاملة عن الإدارة والأمن والقانون والنظام و بعد ذلك في غضون ثلاث سنوات حصلت تيمور الشرقية على استقلالها بعد عقود من الاحتلال العسكري الوحشي من قبل اندونيسيا لذلك يجب ان مجلس الأمن الدولي قرارًا مماثلا بتشكيل قوة حماية مماثلة لفلسطين تتكفل بمهمة واضحة وهي جلب الامان والحرية للفلسطينيين

المجتمع المدني الفلسطيني بشكل خاص وحركة التضامن الدولية مع الفلسطينيين وصلا إلى مرحلة من القوة والنضج لم تشهدها البلاد منذ الانتفاضة الأولى في أواخر الثمانينات وفي الولايات المتحدة تشق مجموعات التضامن طريقها إلى ساحات لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية التقليدية ( ايباك ) وفي الكابيتول هيل ولا سيما في الحزب الديمقراطي يجب أن تفعل هذه الحركة المتنامية كل ما في وسعها لمنع واشنطن من الاعتراض على قوة حماية دولية أو من استخدامها لتعزيز مبدأ المحافظة الحقوق الفلسطينية المهدورة

من الأسباب والدواعي الموضوعية التي تحتم على المجتمع الدولي وإسرائيل أن يأخذا هذا الاقتراح على محمل الجد والاهمية ان الرئيس الفلسطيني عباس في الثمانين من عمره وليس هناك آلية سياسية واضحة لانتقال السلطة لذا فان موته المفاجئ سوف يحدث فوضى سياسية كبيرة ربما تضطر إسرائيل لمعها لقيام بأعمال قذرة كما فعلت في أيام ما قبل اتفاق أوسلو وهذا سيشكل بالتأكيد عبئًا ليس فقط لإسرائيل ولكن للإدارة الأمريكية والتي سوف تجد صعوبة متزايدة في الدفاع عن دعمها للاحتلال الإسرائيلي في نظر أوروبا والشعوب العربية وحتى الشعب الأمريكي

الاتحاد الأوروبي معني مباشرة بالعمل بنشاط لتعزيز هذا الاقتراح نظرا لأنه يمول الكثير من مشاريع ونشاطات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في فلسطين وهي المهمة التي يتعين على إسرائيل بوصفها قوة احتلال أن تتكفل بها اصلا خاصة وانه لا زال امام الاتحاد الأوروبي مشاهد حية للتكلفة البشرية للسياسات الفاشلة والتدخلات العسكرية في العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا

أما فيما يتعلق بالقيادة الفلسطينية فعليها أن تدرك أن مثل هذه الخطوة لن تؤثر على وجود وكيان السلطة القائم بل على العكس من ذلك فإنها ستقويها وتساعدها على تمهيد الطريق نحو الاستقلالية والانعتاق والتحرير وفي الوقت الذي سوف تعترف رسميا بها العديد من الدول ومن ثم تحويل هذا الاعتراف وفق اليات وطنية منظمة إلى الاستقلال

إسرائيل أعلنت في كثير من الأحيان بأنها تريد السلام مع الفلسطينيين ووضع حد للعنف والصراع بينهما وفي ظل انعدام فرصة التوصل الى حل مناسب في الوقت الحاضر ليضع الفلسطينيون هذا الادعاء على المحك بأشاء قوة حماية دولية لضمان حياة وحرية الناس ومعالجة قضايا الأمن لجميع الأطراف المعنية من اجل التوصل إلى اتفاق سلام عادل ودائم ولعل تطبيق هذه الآلية يمكن من التوصل إلى حل سياسي شامل ومقبول وبدون ذلك فان الفلسطينيين سيبقون تحت رحمة إسرائيل وسوف يبقى السلام مجرد امنية فلسطينية وعربية واسلامية واسرائيلية وامريكية واوروبية بعيدة المنال أكثر فأكثر
mahdimubarak@gmail.com
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير