جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم المحلل السياسي المصري نبيل نجم الدين الحداد
في مثل هذه الأيام من شهر يوليو تموز الماضي بدأت زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني إلى العاصمة الأمريكية واشنطن وجرت في تلك الزيارة نقاشات مهمة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، تلك المناقشات والاجتماعات مع ممثلي المؤسسة الأمريكية الحاكمة في الكونغرس وفي مراكز الدراسات وجماعات الضغظ أعادت الروح والقوة والفاعلية إلى الدور الأردني الإقليمي الذي طالما أهل الأردن ليمارس دوره كواحد من اللاعبين الرئيسيين في المنطقة،
الناطقة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، أكدت على هذا المعنى حين قالت «الزيارة فرصة لمناقشة الكثير من التحديات التي تواجه الشرق الأوسط، والتأكيد على الدور القيادي للأردن في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة».
وعن لقاء جلالة الملك مع الرئيس جو بايدن قال جلالته :» أنا أعرف الرئيس بايدن منذ كنت شابا أزور الكونغرس برفقة والدي عندما كان بايدن عضوا شابا في مجلس الشيوخ الأمريكي، فهذه صداقة قديمة. وكنت سعيدا جدا لرؤيته في البيت الأبيض، أعضاء الوفد المرافق شهدوا التفاهم بيننا، كما أن ابني يعرف الرئيس منذ كان نائبا للرئيس، حيث كان ابني يزوره في منزله وفي مكتبه، فهي صداقة عائلية...»
توقيت لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الأمريكي جو بايدن جاء في ظل مشهد عربي أقل ما يوصف به أنه مشهد تعصف به الفوضى والرعونة والتدخلات الاقليمية والدولية التي حولته بأيدي بعض أبنائه إلى مشهد لا يسر لا القريب ولا البعيد.
إذا بدأنا في استحضار هذا المشهد العاصف نجد أن القضية الفلسطينية العادلة اشتعلت مجددا.. فهذه القضية لن تخمد وهذا الشعب لن يموت.. هذا في الوقت الذي لا تريد إسرائيل فيه العودة عن غيها المستكبر في الاحتلال وفي مزيد من الاحتلال لأرض وشعب تقف مع حقوقه ومع مقاومته معايير الشرعية والقانون الدوليين، هذا في ظل تمسك وإصرار واحترام والتزام المملكة الاردنية الهاشمية لولاياتها الدينية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس المحتلة..
وحين سئل جلالة الملك، عن القضية الفلسطينية قال جلالته» التقيت بالرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، وكذلك جرت لقاءات مع الجانب الاسرائيلي وعلينا أن نعيد الجميع إلى طاولة الحوار، وإعادة إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.»
« لقد خرجت من لقاءاتنا مع الفلسطينيين والإسرائيليين متفائلا. هناك تحسن في التفاهم بين الأردن وإسرائيل.. والأصوات القادمة من فلسطين وإسرائيل تشير إلى استعدادهم للمضي قدما وإعادة ضبط العلاقة بينهما..»
وعن سؤال حول استمرار سيادة اسرائيل على الاراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة وغزة وهل لإسرائيل أن تستمر على هذا المنوال؟ قال جلالة الملك عبد الله الثاني « أعتقد أن هذا التصور غير دقيق ويخفي وراءه تعقيدات كثيرة، أقول ذلك لأنه عندما تنشب صراعات، كما رأينا مسبقا، فإننا نعلم ما الذي سيحصل خلال ثلاثة أسابيع من بداية الصراع، فهناك خسارة للأرواح ومآس للجميع. أما الحرب الأخيرة مع غزة هذه المرة، فكانت مختلفة.. إنها المرة الأولى منذ عام 1948 التي أشعر بأن هناك حربا داخل إسرائيل..، ذلك عندما تنظر إلى القرى والمدن وترى الصدام بين عرب إسرائيل والإسرائيليين. وأعتقد أن ذلك كان بمثابة صحوة للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، من عواقب عدم التقدم إلى الأمام وعدم منح الفلسطينيين الأمل. فإذا فقد الفلسطينيون الأمل، فستكون الحرب التالية، لا قدر الله، أكثر ضررا. لا أحد ينتصر في هذه النزاعات، وفي هذا الصراع الأخير لم يكن هناك فائز «
وعن ادعاءات المستشار السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، إنه على الأردن أن يبدأ التفكير بنفسه على أنه الدولة الفلسطينية.. رد جلالة الملك بوضوح» هذا النوع من الخطاب ليس بجديد. ولهؤلاء الأشخاص أجندات يريدون تنفيذها على حساب الآخرين. الأردن هو الأردن.. الفلسطينيون لا يريدون أن يكونوا في الأردن. إنهم يريدون أراضيهم..، ورايتهم ليرفعوها فوق بيوتهم، ومنتخبهم الوطني لكرة القدم. إن هذا الطرح يقودنا إلى خطاب خطير جدا. وأعتقد أننا حددنا خطوطنا الحمراء بوضوح. «
وعن لبنان الذي كان منذ عقود ليست بعيدة منارة عربية شامخة للفن والجمال والكلمة والسياحة والتجارة ثم أصبح بلداً تعبث به كل القوى السياسية والاقتصادية والاجرامية.. وبات المواطن اللبناني الذي كان يتيه بعزه وفنه ورقيه يتضور جوعا.. عنه قال جلالة الملك خلال الزيارة» علينا أيضا النظر إلى لبنان، حيث يعاني الناس من أزمة، هناك مجاعة وشيكة الحدوث، والمستشفيات لا تعمل، وهذا تم طرحه في الكثير من النقاشات التي أجريناها مع المسؤولين في واشنطن، وأعلم أن الولايات المتحدة تعمل مع فرنسا على هذا الملف. ولكن عندما تصل الأزمة إلى أسوأ حالاتها، وهو ما سيحصل في غضون أسابيع، ماذا يمكننا أن نفعل كمجتمع دولي للتدخل؟ ونعرف أنه مهما خططنا، لن نتمكن من تحقيق أهدافنا، وسنخذل الشعوب. لذا السؤال هو، هل من الممكن بناء خطط بصورة توجه المنطقة نحو الاتجاه الصحيح؟»
وتناولت محادثات واشنطن العراق الكبير الذي كان ركناً عربياً مهاباً إقليميا ودولياً والذي وصلت الفوضى بقطاعه الصحي أن يموت العشرات في مستشفى عزل طبي بسبب الفشل الاداري والطبي فلن نتطرق إلى أزمة العراق والفشل السياسي، التي تعيث به قوى عراقية وأخرى غير عراقية، فساداً فهذا له موضع آخر.
ولم تكن سوريا التي ما زالت تمخر بعيداً في لجة الضياع والظلام والتشرد والنزوح بعيدة عن النقاشات وكذلك الدول العربية الشقيقة التي دخلت من قبل في سباق الفوضى : الصومال واليمن وليبيا وكذلك تونس التي لا قدر الله تتأهب للانزلاق الكبير الذي نتمنى أن تتجنبه وتجتاز هذا المنحنى الحاد بسلام.
في ظل هكذا مشهد عربي وإقليمي مضطرب وخطير وصل جلالة الملك إلى واشنطن كأول زعيم عربي يجلس مع الرئيس الامريكي الجديد جو بايدن الذي تولى مهام رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في يناير الماضي وحري بنا قبل قراءة أبعاد الزيارة الملكية الهاشمية إلى واشنطن أن نذكر بحال العلاقات الأمريكية الأردنية البائس إبان السنوات الأربع لحكم الرئيس الأمريكي الخاسر دونالد ترامب.
لقد دخلت العلاقات الأمريكية الأردنية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في نفق مظلم ألقى بظلاله الكثيفة على التحالف الاستراتيجي التاريخي بين واشنطن وعمان. وسعى الرئيس المريكي الخاسر ترامب بكل قواه الى محاولة تهميش دور الأردن، ولم يول أي اهتمام أو احترام للمصالح الأردنية فوصلت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوى لها خلال تلك السنوات الأربع، هذا بالرغم من المحاولات الصادقة من الملك عبد الله الثاني للحفاظ على العلاقات التاريخية إلا أن جهود جلالة الملك راحت أدراج رياح وزعابيب الرئيس غريب الأطوار الذي أصدر بكل رعونة في ديسمبر من عام 2017 قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية المحتلة ضارباً حل الدولتين والولاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشرقية وكل مقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية بعرض الحائط ومع تلك الخطوة الرعناء قررت عمان تجميد الاتصالات الاستراتيجية مع واشنطن واستمر الحال البائس حتى كانت الزيارة التاريخية لجلالة الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن في مثل هذه الأيام من الشهر الماضي..
حظيت زيارة الملك عبد الله الثاني إلى الولايات المتحدة باهتمام واسع من المراقبين والمحللين السياسيين الذين تابعوا الزيارة ما جرى فيها من لقاءات، وما أسفرت عنه من نتائج، لقد اكتسبت الزيارة أهميتها من التوقيت المحكم واللقاءات والاجتماعات المهمة والمتنوعة التي جرت فيها.. وانعكاس الزيارة القوي على عودة العلاقات الأمريكية الأردنية إلى مسارها الطبييعي.
لقد أكد جلالة الملك عبد الله الثاني» أن الإدارة الأمريكية تدرك أهمية العمل مع الفلسطينيين والإسرائيليين لإعادتهم إلى طاولة الحوار، وأن الرئيس الأمريكي جو بايدن ملتزم بحل الدولتين» واوضح جلالة الملك « أن الزيارة إلى واشنطن تضمنت الحديث عن تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني، وكذلك التحديات التي تواجه الأونروا، مشيرا إلى مؤتمر السويد الذي سيعقد خلال الفترة المقبلة، وسيناقش سبل إعادة المساعدات للوكالة.»
وجدد جلالة الملك التأكيد على « الدعم المطلق من المملكة الأردنية الهاشمية وجميع مؤسساتها للقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها»، مبينا أن هناك تعاونا وتنسيقا مع عدد من الدول العربية للحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في المدينة المقدسة، وأن العالم يقدر الشعب الفلسطيني، ويقدر دور الأردن بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة.»
وبكل حيادية فإنه إن لم تحقق زيارة الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن سوى هذا التقدم فيكفيها من إنجاز لكنها في الحقيقة تجاوزت هذا الملف بإنجازات أخرى عديدة سيظهر آثارها ونتائجها على المشهد الإقليمي تباعا..
الدستور