النسخة الكاملة

السلط تستحق وفوزها فخرا للجميع

مهدي مبارك عبد الله

الخميس-2021-07-29
جفرا نيوز -
جفرا نيوز -  مهدي مبارك عبد الله

بعد طول انتظار وترقب وبلهفة وشوق عميقين وبعد عمل دؤوب مشترك وسعي مخلص ومنظم بدأ من عام 1995 الى عام 2017 حين زفت مديرة مكتب اليونسكو بعمان في حينه الدكتورة ( كوستانزا فارينا ) للعالم نبا انضمام مدينة السلط الأردنية للمنافسة على ادراجها ضمن قائمة التراث العالمي وذلك قبل أن تفوز هذه المرة بالمكانة والموقع الذي تستحقه بعدما قدمت الحكومة ملف ترشيحها

تمهيدا لدراسته وعرضه ثانية على لجنة التراث العالمي لعام 2020 عقب إعادة صياغته واضافة الكثير من الوثائق والمخططات اللازمة والمعلومات التاريخية والتراثية وبحسب المتطلبات الدولية المقررة من قبل منظمة اليونسكو في الامم المتحدة مع التركيز على ابرز التطورات التي شهدتها المدينة خلال العشر سنوات الماضية وخاصة في مجال حماية المواقع التراثية والحضرية

أحاسيس البهجة والسرور ومشاعر الفخر والاعتزاز غمرت قلوب الأردنيون بإعلان لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( اليونيسكو) في دورتها الـ 44 التي عقدت افتراضياً في الصين موافقتها بالأجماع على إدراج مدينة السلط ضمن القائمة الخاصة للتراث العالمي بعدما وصفت بانها ( مدينة التسامح واصول الضيافة الحضرية )

لتصبح بذلك سادس موقع أردني على القائمة المسجلة عالميا بعد البتراء وقصر عمرة الأثري ووادي رم والمغطس وأم الرصاص بالإضافة الى مدينة السلط المدرجة حديثاً وهو ما سيعزز من مكانة الأردن على خارطة السياحة العالمية ويزيد في جذب السياح ويحرك عجلة الاقتصاد المحلي ولا زالت هنالك العديد من المواقع الأثرية التي يسعى الاردن لتقديم ملفاتها للجنة التراث

لقد كانت السلط وستبقى على الدوام حاضرة البلقاء التي تتمتع بالعيش المشترك والتالف والود والرعاية الاجتماعية والعلاقات الانسانية السلمية والرحيمة بين ساكنيها كما تميزت المدينة منذ القدم بمرافقها العمرانية الفريدة والتراثية والحضارية الجذابة التي جعلت منها محجا معتمدا للزوار والسائحين والباحثين عن التاريخ والعراقة والفن والروعة والجمال

أن من اهم الاسس والرؤى الفنية التي ارتكزت عليها الدراسات في ترشيح مدينة السلط كان في مقدمتها التراث المعماري المتميز للمدينة والازدهار التجاري الذي انتعش فيها قديما بالإضافة الى تقديم المدينة كـ ( نموذج للتعايش والتآخي في مجتمعها ) والذي كان عبر العصور واستمر الى الان كقيمة وخصوصية استثنائية عالمية في كيفية احترام وقبول الآخر

ان اختيار مدينة السلط اليوم كنقطة مضيئة على مستوى التراث العالمي من شانه ان يبرز التاريخ الثري والثقافة الغنية للمدينة القديمة ويعيد بريقها وشذى عطرها وجمال طبيعتها لينعكس ذلك على زيادة إقبال السائحين عليها والتعرف اليها عن كثب كما يعتبر هذا التوصل الحضاري الجديد بمثابة رسالة ( عالمية وأردنبة للسلام والتسامح والتعايش والتوحد ضد الكراهية والإقصاء ) فضلا عن انها المدينة الأعرق التي تشتهر بطرازها المعماري الأميز

والتي تمثل نموذجاً اجتماعياً وثقافياً رائعاً يجسد العيش المشترك بين الأردنيين من مسلمين ومسيحيين منذ مئات السنين حيث لا زالوا يتشاركون في العادات والتقاليد الراسخة في منطقة حضرية واحدة اضافة الى نشرهم الجمعي لروح التكافل الاجتماعي بين الأسر في مدينة السلط وزوارها الوافدين حيث لا يوجد أحياء مخصصة او منفصلة ومنغلقة على أساس الدين وهو ما يعد من الميزات الواضحة للمدينة ولهذا فأن ادراج السلط على قائمة التراث العالمي سيدعم بشكل كبير ثقافة التراث والتسامح والوئام بين الأديان المختلفة ومعتنقيها

يذكر ان ملف السلط هو الملف الاول من نوعه عالميا الذي يقدم لتسجيل المواقع التراثية فيها ضمن الحركة العمرانية الممتدة من الاعوام (1865-1920) لهذا فان ادراج مدينة السلط على لائحة التراث العالمي سينعكس بالضرورة ايجابا على الوضع الاقتصادي والسياحي والاجتماعي في المدينة لاسيما وان المدينة بمجملها تعتبر متحفا متكاملا تزخر بالعديد من المواقع التراثية والتاريخية التي تنفرد بها وان نجاح ضمها لقائمة التراث العالمي سيبرز ايضا التاريخ الثري والثقافة الغنية للمدينة والذي سيطور في المحصلة الحركة السياحية و يعزز اقتصاد المدينة ودورها في التنمية الاجتماعية والتنظيمية

الطراز المعماري المتميزة لمدينة السلط يبين بشكل واضح التبادلات الثقافية التي أسفرت عن مزيج فريد من الأنماط الفنية عالية الجودة والمستوى خاصة وان الأردن يحرص باهتمام متواصل على حماية واستدامة القيمة العالمية المتميزة لتراث المدينة وتأصيل سماتها الفريدة ومن اجل ذلك تم اعداد ملف ترشيح السلط من قبل فريق عمل محلي متخصص وبأشراف ومساعدة بعض الخبراء الدوليين

ان إدراج مدينة السلط على قائمة التراث العالمي لم يكن امرا سهلا ومتاحا لولا التعاون الكبير والجهود الحثيثة والعمل المشترك بروح الفريق الواحد بين وزارة السياحة والاثار ومديرية الاثار العامة وبلدية السلط والجهات المعنية الأخرى ولا يفوتنا بهذه المناسبة السعيدة ان نقدم خالص الشكر والتقدير

لرئيس واعضاء الجنة التراث العالمي واللجنة الملكية لتطوير وسط مدينة السلط وهيئة تنشيط السياحة وموظفي مركز التراث العالمي والمؤرخيــن والباحثين المتميزين من الجامعات الأردنية الذين عملوا على إعداد المحتوى التاريخي للملف وكذلك الهيئات الاستشارية والمجلس الدولي للتراث العالمي ( ايكوموس ) لما قدموه من دعم ونصائح طوال عملية الترشيح لملف المدينة والشكر الجليل لبلدية السلط الكبرى ممثلة برئيسها المهندس خالد خشمان ومهندسيها والتي عملت بكل جهد ومثابرة على اعداد ملف متكامل وفق اسس علمية وبمواصفات عالميه ومراعاتها للتعديلات المقترحة من الخبراء لترشيح السلط لقائمة التراث العالمي التراث العالمي

كما نتقدم بالشكر والتقدير لكافة الدوائر والمؤسسات الحكومة والاهلية ولجميع الافراد والهيئات الذين ساهموا بكافة الوسائل المتاحة ليتكلل هذا المشروع بالنجاح والشكر الموصول ايضا لمنظمة اليونسكو التي تسعى إلى التشجيع على صيانة التراث الثقافي والطبيعي في كافة انحاء العالم وخصوصا التراث الذي يتسم بقيمة استثنائية بالنسبة للبشرية والتي تتميز به منطقتنا وخاصة الاردن

معلوم تاريخيا ان السلط من أقدم المدن الأردنية وقد انشئت فيها أول دار للبلدية سنة 1887 قبل قيام إمارة شرق الأردن كما انها كانت مركز قائم مقامية الحامية العثمانية في الأردن وقد تأسست فيها أول غرفة تجارية وأول مدرسة ثانوية وبالتالي يمكن تسميتها ( مدينة الأوائل ) كمدينة تاريخية

حيث كانت العاصمة الإقليمية لشرق الأردن في عهد الامبراطورية العثمانية عام 1868 وقد بنيت المدينة على سلسلة تلال عالية وهي تضم العديد من المواقع الاثرية من العصور المختلفة وتمتلئ بالمباني القديمة المشيدة بالحجارة الصفراء والأسقف المقببة والنوافذ المقوسة كما تتميز بطبيعتها الجبلية وتراص بيوتها فوق بعضها وقد تم مؤخرا ترميم هذه المباني وصيانتها بطريقة تحافظ على قيمتها التاريخية والحضارية

هنيئا للوطن ولقائده جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم وولي عهده الأمين سمو الامير الحسين بن عبد الله بهذا الإنجاز الثقافي والسياحي والتاريخي والتراثي والإنساني النوعي والذي تكلل بتوفيق وفضل من الله تعالى اولا ثم بالرعاية المستمرة للقيادة الهاشمية الحكيمة التي غرست في هذه الارض الطيبة والمباركة قيم التسامح بين أفراد المجتمع الأردني الواحد

وهنيئا للأردنيين عامة وللسلط ولأهلها خاصة والف مبروك بهذا الشرف العظيم الذي حققته مدينة السلط بانضمامها لقائمة اليونسكو للتراث العالمي الى جانب شقيقاتها وعليه ستبقى حناجرنا تصدح من كل ارجاء الوطن فرحا وزهوا وفخرا ونحن نردد ( ابيش احلى من السلط مهما لفينا )
mahdimubarak@gmail.com