النسخة الكاملة

نهاية حكم اسرة كاسترو في كوبا

مهدي مبارك عبد الله

الخميس-2021-05-03
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله

في واحدة من آخر خمسة بلدان شيوعية في العالم طوى مؤتمر الحزب الشيوعي الذي عقد مؤخرا بالعاصمة هافانا في كوبا بحضور نحو 300 مندوب من كل مقاطعات البلاد التي يبلغ عدد سكانها 11,2 مليون نسمة حقبة طويلة من تاريخ البلاد امتدت ستة عقود من حكم عائلة كاسترو تمثلت بالأخوين الزعيمين الثائرين ( فيدل وراؤول ) وذلك بعد خطوة كانت متوقعة بالتنحي الطوعي للرئيس راؤول كاسترو البالغ 90 عام وانسحابه من الحياة السياسية بعدما أدار البلاد منذ عام 2006

بعد أن أُجريت عملية جراحية لكاسترو لوقف نزيف معوي مما اضطره إلى تسليم السلطة لأخيه غير الشقيق من أمه حيث اعلن في رسالة بخط يده عام 2008 استقالته من منصب الرئاسة وكان راؤول هو المرشح الأقوى والوحيد لخلافته وقد حافظ منذ تسلمه مقاليد الحكم على قبضة الحزب الشيوعي الواحد على كافة مقاليد السلطة بصفته زعيماً للبلاد أشرف خلالها على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة في الفترة بين 2014 و 2016 وقد إجراء محادثات تاريخية مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في 2016 لكن التوترات ازدادت سوءاً في عهد دونالد ترامب الذي عمل على تشديد العقوبات المفروضة على كوبا والتي تعهد الرئيس الحالي جو بايدن بتخفيفها وقد قال راؤول في خطاب الرحيل إنه سيسلم القيادة لجيل أصغر ( مشحون بالعاطفة والروح المناهضة للإمبريالية )

ومع راوول كاسترو يفترض أن يتقاعد أيضاً بعض أبرز شخصيات الجيل التاريخي الذي صنع ثورة 1959 بمن فيهم الرجل الثاني في الحزب خوسيه رامون ماتشادو فينتورا 90 سنة والقائد راميرو فالديس 88 سنة

وفي مهرجان حزبي كبير تسلم شعلة قيادة البلاد الرئيس الجديد ( ميغيل دياز كانيل ) البالغ 58 عام والذي سيعين سكريرا عاما للحزب الوحيد في الجزيرة وهو أول مدني يقود مهمة الحزب في أهم منصب في كوبا ذات الطابع الاشتراكي وقد جاء ذلك ضمن ( عملية انتقالية طبيعية للسلطة من جيل إلى آخر ) والتي لاقت الترحيب والتهنئة من قبل بعض الأحزاب الشيوعية في الصين وفيتنام ولاوس وكوريا الشمالية

التغيير في قمة الحزب الحاكم الكوبي ورحيل راؤول كاسترو ربما يشكل علامة فارقة ليس فقط لأنه يمثل نهاية عائلة استمرت أكثر من ستين عام في الحكم بل أيضا لأنه يأتي في وقت تتعامل فيه القيادة في الجزيرة مع أخطر أزمة اقتصادية تواجهها منذ عقود ( انخفاض إجمالي الناتج المحلي بنسبة 11 % في عام 2020 ضمن أسوأ تراجع له منذ 1993 بسبب الحظر الأميركي المطبق منذ 1962 وتداعيات جائحة كوفيد 19 ) حيث تمر البلاد بصعوبات واضطرابات اقتصادية كبيرة في مقدمتها نقص المواد الغذائية وارتفاع الاسعار وتأكل الرواتب وضعف القوة الشرائية للعملة المحلية والامتعاض من انتشار المتاجر التي تتعامل بالدولار وهي عملة لا يستطيع الكثير من المواطنين الوصول إليها ناهيك عن الانكماش الاقتصادي بنسبة 11 % العام الماضي والتضييق بشكل سيء على الموازنات الخاصة بالمواطنين العاديين مع التذمر الواسع من صعوبات تلقي خدمة الانترنت والتحكم بتشغيلها وتصاعد المطالبات بتحقيق الشفافية وتخفيف القيود المفروضة على الحرية السياسية والاقتصادية وحرية التعبير

وقد شهدت البلاد في الاشهر الاخيرة بعض التظاهرات والاحتجاجات التي نظمها فنانون ومنشقون وجماعات من قطاعات أخرى من المجتمع المدني مثل المدافعين عن حقوق الحيوان مع الايمان الشعبي المطلق بانه لن يكون هنالك أي تغيير جذري في أسلوب الحزب الشيوعي بكوادره الجديدة وانعدام الثقة تجاه مشاريع القادة الكوبيين ووعودهم وترنح البلاد تحت تأثيرات سياسة إدارة ترامب عام 2019 والمتمثلة في ممارسة أقصى العقوبات والضغط على كوبا والتي ادت إلى اختفاء السفن السياحية التي كانت مليئة بالسياح الأمريكيين وفي عام 2020 تم إغلاق وكالات ( ويسترن يونيون ) حيث كان الكوبيون يتلقون أموالا من أقاربهم في الخارج في الواقع (هناك شعور كبير لدى الجميع بالإرهاق في المجتمع )

الرئيس الكوبي الجديد دياز كانيل درس الهندسة الالكترونية في كوبا ثم عمل مدرسا جامعيا وأمضى ثلاثين عام في صفوف الحزب الشيوعي وتولى منصب وزير التعليم العالي وعدة مناصب حزبية رفيعة قبل انتخابه نائباً للرئيس عام 2013 وقد عاش حياة بسيطة ومتواضعة ونال إعجاب أبناء منطقته حيث كان يقود دراجته الهوائية بعكس الصورة المعروفة عن القيادات الحزبية العليا ورغم أنه يصنف في عداد التيار المعتدل في القيادة إلا أن مواقفه الأخيرة تعكس توجها أكثر تشدداً وخاصة في ما يتعلق بالموقف من العلاقة مع الولايات المتحدة وتحرير الاقتصاد الكوبي

وقد ظهر دياز في عام 2015 في شريط مصور يتحدث خلال اجتماع حزبي انتقد فيه الاعلام المستقل وقال إن السفارات الغربية في كوبا تدعم الأنشطة الهدامة في البلاد ووصف خطوة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في حينه بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع بلاده بأنها طريقة أخرى لتحقيق الهدف النهائي وهو تدمير الثورة الكوبية

ليس مهم كثيرا لدى غالبية ابناء الشعب الكوبي اليوم تغيير الاشخاص والوجوه دون القدرة على مواجهة التحديات الكبيرة التي تنتظر الرئيس الجديد في مواجهة الركود الاقتصادي الذي تمر به البلاد وتجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها حيث لا يتجاوز دخل العامل الكوبي في الدولة 30 دولارا شهريا بينما يعمل 80 % من الكوبيين لدى الدولة اضافة الى ضرورة مواجهة عمليات التخريب عبر الإنترنت التي تدعيها الدولة من ( خلال نشر صورة افتراضية لكوبا كمجتمع محتضر بلا مستقبل وعلى وشك الانهيار والانفجار الاجتماعي الذي تريده الولايات المتحدة، ونشرها في كل الاتجاهات )

كما ان هنالك دعوات ملحة للانفتاح على القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية ومحاربة الرداءة والارتجال والبيروقراطية المفرطة والفساد المستشري في هذه الجزيرة التي تستورد ثمانين % مما تستهلكه نظراً لعدم كفاية الإنتاج المحلي والغير قادر على تلبية احتياجات السكان وما في ذلك من خطورة تتعلق بالأمن القومي

يذكر ان فنزويلا كانت تقدم لكوبا كميات كبيرة من النفط بأسعار زهيدة أقرب إلى الهبة وصلت قيمتها إلى نحو 6 مليارات دولار سنويا في مرحلة ما لكن مع تراجع أسعار النفط والاضطرابات التي تعيشها فنزويلا بعد رحيل زعيمها هيوغو شافيز توقفت المساعدات المقدمة من فنزويلا تقريبا

قبل ايام قليلة نشر أرشيف الأمن القومي الأمريكي عددا من الوثائق التي رفعت عنها السري والتي كشفت عن تدبير المخابرات الأمريكية محاولة لاغتيال راؤول كاسترو أحد قادة الثورة الكوبية عام 1960 في حادث طائرة مدبر وتعد تلك العملية التي ألغيت في اللحظات الأخيرة أقدم عملية معروفة لـ ( سي آي إي ) لاغتيال واحد من أهم قادة الثورة الكوبية

التاريخ لا زال يذكرنا كيف تحدى الرئيس الكوبي فيدل كاستروالذي تولى السلطة في 1959 أحد عشر رئيسا أمريكيا ونجا من العديد من المؤامرات لاغتياله ( 638 ) محاولة حسب موسوعة غينيس للأرقام القياسية وكذلك المحاولة الامريكية الفاشلة لإنزال كوبيين في المنفى مدعومين من وكالة الاستخبارات المركزية في خليج الخنازير جنوب الجزيرة في نيسان 1961 للقيام بعملية انقلاب وتخريب

كثيرون لا يرون أنه من المنطقي الحديث اليوم في كوبا عن ما يمكن تسميته بمرحلة ( ما بعد كاسترو ) رغم تولي دياز كانيل منصب الرئاسة الفعلي لأن راؤول سيظل زعيما للحزب الشيوعي ما بقي حيا بينما ابنه ( أليخاندرو ) البالغ من العمر 52 عام والذي يعمل ضابط برتبة عميد في وزارة الداخلية وينظر إليه باعتباره الوصي على أرث أسرة كاسترو الذي يجب ان يبقى في عروق الجزيرة الكوبية الى الابد والتأكيد بان الطابع الاشتراكي للثورة لا رجعة عنه منذ تبني الدستور الجديد في عام 2019 وان كوبا تسعى بصدق لتطوير حوار محترممع الولايات المتحدة لكنها لن تقبل بتقديم تنازلات فيما يتعلق بـسياستها الخارجية ومثلها العليا

ختاما يمكن القول انه بعد وفاة فيدل كاسترو في 2016 ومع تقاعد راوول كاسترو 2021 طوت كوبا صفحة من تاريخها و حياة سكانها الذين لم يعرفوا سوى حكم الأخوين الثائرين

mahdimubarak@gmail.com