جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب حسين الرواشدة
الحق في الإسلام منحة إلهية ثابتة ومقدسة، وسواء كانت مرتبطة بحقوق الله على عباده من عبادات خالصة او دعاء، او مرتبطة بحقوق العباد على العباد، فإنها تصب أخيرا في مصلحة الإنسان اذ انه الهدف من هذه الحقوق كلها، بل ان حقوق الله تعالى خاصة هي حقوق المجتمع، فالله الغني عن العالمين لا يريد حقا من احد، وإنما أراد من إلصاق الحقوق بذاته ان يحمي الإنسان ويحافظ على المجتمع، ومن اللافت هنا ان الخالق عز وجل رتب وأوجب على نفسه حقوقا للعباد، مع انتفاء الوجوبية والندية هنا، ومبعث ذلك تأكيد عفوه ورحمته وحبه لخلقه، وإلزاما بما فرضه عليهم من واجبات ومسؤوليات.
لا يوجد في الإسلام حق الا وله هدف او من ورائه مصلحة، حتى وان لم تصل الافهام الى اكتشافها او فهمها، فالصلاة وان كانت حقا خالصا لله تعالى، فمصلحة العباد فيها واضحة وكذلك باقي العبادات، وفي الشريعة الإسلامية اتفق الفقهاء على ربط الحقوق بالكليات الخمسة، اذ ان الدين كله يتعلق بحماية الجماعة وتمكين الإنسان من عمارة دنياه وتحقيق سعادته، وفي الحديث الشريف الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه ثمة اشارة نبوية واضحة ما يريده الله من عباده وما يمنحه بالتالي لهم، قال معاذ: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله، قلت: الله ورسوله اعلم. قال: حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله الا يعذب من لا يشرك به شيئا قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا.
ووظيفة الشريعة الإسلامية التي هي مصدر الحقوق ان توضح وتبين للناس حقوقهم لكي لا يمارسوا العدوان على غيرهم، ولا يتنازلوا عنها ايضا لما يترتب على هذا التنازل من تفريط في حقوقهم الشخصية وحقوق الجماعة، والتوضيح هنا تكفلت به الأحكام المختلفة التي جاءت بها الشريعة، سواء كانت هذه الأحكام في دائرة التكليف او في دائرة العقوبات وما تتضمنه من حدود وقصاص، وفي ذلك تفاصيل كثيرة قدمها فقهاؤنا حول طبيعة هذه الحقوق وأقسامها وما يجوز التنازل عنه او قبول التعويض به او ما يمكن ان يغلب فيه حق الله على حق العباد والعكس او ما هو حق مشترك بين الخالق والمخلوق.. الخ.
والخلاصة ان حقوق الله تعالى كلها هي حقوق للجماعة ولمصلحة العامة، وبذلك فان ربطها بالخالق تعظيما لها جاء لحمايتها من العبث ومنع الانسان من التفريط بها لانها لا تتعلق بفرد او مجتمع واحد.. وانما بالأمة كلها.