جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب حمزة العكايلة
بقي الأردن على مر السنوات، يناضل من أجل تحقيق استقلاله وسيادته الكاملة على أراضيه، فتوحد نضال القيادة مع الجيش والشعب ومختلف القوى الوطنية منذ عهد الإمارة وما تلاها من تعديلات على الاتفاقية الأردنية البريطانية وصولاً لإلغائها، ومن قبل نيل الاستقلال وتعريب قيادة الجيش، ليكون لدينا إرث وطني نضالي لا يمكن اليوم القبول بالمساس به عبر مزاودات تحاول تصوير اتفاقية التعاون الدفاعية العسكرية الأردنية الأمريكية، على أنها انتداب جديد واستعمار وتفريط بدماء وتضحيات الجيش الأردني.
هذه الأوصاف التي أطلقها حزب جبهة العمل الإسلامي في بيانه على اتفاقية التعاون، أشبه ما تكون بمحاولات «دنكيشوتية»، فلا فرق بينها وبين محاولات «ألونسو كيكسانو» أو ما عرف بـ «دون كيشوت» بطل القصة الشهيرة التي وقع فيها صاحبنا ضحية معارك وهمية، لدرجة أنه تخيل طواحين الهواء عدواً ووحشاً عملاقاً ليبدأ بمحاربة الطواحين بسيفه إلا أنها التقطته وبدأت تلوح به وأردته مصاباً على الأرض.
هل يُعقل أن يصل الأمر إلى توصيف الاتفاقية على أنها تفريط بدماء وتضحيات الجيش، هل باتت خطابات بعض دول الإقليم التي تشبه أمريكا بالشيطان الأكبر وتجلس معها في الوقت ذاته على طاولة الحوار، هي نسخة التقليد في الخطاب المتهالك الذي تضمنه بيان الحزب.
أتحدث بصفة المراقب، هل أصبحت محاولات التشكيك بجيشنا وبسيادتنا أمراً مباحاً، في وقت كان الأردن آخر معاقل الدفاع عن فلسطين، وفي ذروة جنون إدارة ترمب لم يتذكر الحزب أن الأردن كان يدب الصوت عالياً في رفض صفقة القرن، رغم إدراك الجميع لكلفة ذلك علينا، وطبيعة الضغوطات التي تعرضنا إليها، ألم يتذكر أيضاً أن الأردنيين لا يمكن أن يفرطوا بتاريخهم وإرثهم ونضال جيشهم وهم الذين يحفظون أسماء شهدائهم، كما يحفظون أسماءهم.
حرام هذا الذي نجازي به البلد، فمنذ خمسينيات القرن الماضي، كانت عواصم عربية عبر هدير إذاعاتها تلصق الاتهامات تلو الاتهمات بالأردن، لتبرهن الأيام أن الأردن ما باع ولا تخلى ولا ساوم ولا تاجر بدماء أبناء شعبه ولا أبناء أمته، بل كان الأردن صوت الدعوة للم الشمل العربي ولوقف كافة أشكال التدخل الأجنبي في الشؤون العربية.
لقد فند الحزب على عجالة بعض بنود الاتفاقية، لكنه تناسى أو تغافل أن الاتفاقية في ديباجتها وفي مقدمتها وعلى صدرها تؤكد أن هذا التعاون يرتكز على الاحترام الكامل لسيادة كل طرف، وهي اتفاقية برامج دفاعية تتعلق بتعزيز القدرات الدفاعية وجميع نصوصها تذيل بأنها تتم بالتوافق بين الطرفين وهي في جوهرها لا تتنافى مع القوانين الأردنية ولا مع الاتفاقيات الدولية، كما أنها لا تجيز أي عملية قتالية داخل المملكة.
كما تناسى البيان أنه يجوز تعديل الاتفاقية بموجب إشعار خطي بين الطرفين قبل عام واحد عبر القنوات الدبلوماسية، ثم إنها ليست الاتفاقية الأولى بين الجانبين فهنالك مذكرة تعاون عسكري موقعة عام 1996، ثم إن الجميع يعلم أننا شركاء في الحرب على الإرهاب، كما يعلمون حجم المساعدات العسكرية السنوية الأمريكية للأردن، وأيضاً الاقتصادية، وتلك المتعلقة بمشاريع التنمية.
كما يتبادر للذهن تساؤل: أحرام على الأردن توقيع اتفاقيات عسكرية نضمن فيها مصالحنا العليا، ونعزز فيها من قدراتنا الدفاعية في ظل إقليم مضطرب، وحلال على غيرنا، فلم نسمع انتقاداً للتعاون الأمريكي التركي في قاعدة انجرليك حيث توجد أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة.
لدي إيمان كبير بجيش بلدي، وأثق تماماً بوطنيتهم وحرصهم على ألا تمس الاتفاقية بأي شكل من الأشكال السيادة الأردنية، وخلاصة القول لدى الأردن موقع جيوسياسي استراتيجي لطالما حظي باهتمام جميع القوى الدولية، ولو لم تكن الولايات المتحدة هي الداعم في الجانب العسكري لكانت قوة أخرى حتماً داعماً بديلاً، ومن هنا يقدر الأردن مصالحه السياسية على ان لا تؤثر أي اتفاقية على السلوك والقرار السياسي الداخلي والخارجي وهو ما تم، والأيام شواهد، فالأردن في ذروة التمكن والقوة الإنجليزية كان يُعرّب قيادة جيشه ويلغي الاتفاقية الأردنية البريطانية، وفي ذروة التخلي والنكران لفلسطين كان الأردن على جبهة الحق والثبات صلباً ثابتاً، والأردن في ذروة التسابق على المتاجرة بالدم العربي، كان ينأى بالنفس عن إراقة قطرة دم عربية واحدة، وفي الختام كفى لمحاولات الضرب على دف مهترئ، فالأردن لا يبيع ولا يتاجر بشعبه وأمته.